السبت، 1 مارس 2014

التاريخ الدموي لنصارى الغرب

التاريخ الدموي لنصارى الغرب
إن الأقلام الغربية جعلت من مقتل السهروردي والحلاج جريمة في حق الإنسانية وقتلا لحرية الرأي وكسرا لقلم أسال من الفكر ما أنار العقول وأضاء الأفاق، ولا يستطيع أحد منهم أن يخفي تاريخ النصرانية المظلم. لقد كتب مؤرخو الغرب أن الإسلام أنتشر في ربوع العالم بالقتل واستسلم الناس تحت السيوف وأجبروهم على الدخول فيه قهرا وعنوة. 

وهي أقوال ترددها الأقلام المأجورة في كل مرة ويرددها بابوات الفاتيكان وحتى بعض المسلمين الذين أعجبوا بالتاريخ الأسود للنصرانية الغربية، بل وبالتاريخ الصليبية المشرق والحافل بالرحمة والدفاع عن حقوق الإنسان والوقوف ضد اضطهاد الأقليات العرقية والطوائف الدينية؟

بينما جاء الإسلام بدين يدعو إلى التخلف ونشر الهمجية وتقييد الحريات الفكرية والدينية وإسكات كل صوت يريد الحرية وفرض قيود قمعية صارمة. وخلافا للواقع يتعمد الأوربيون إخفاء تاريخهم الأسود، ومع توجيه الكنيسة في أوروبا اتهامات ملفقة للإسلام لإخفاء جرائمها الدموية والقمعية التي ارتكبتها في حق الإنسانية على مدى عصور.

غير أن التاريخ يشهد بأن المسلمين كانوا أرحم الأمم على الإطلاق بشعوب البلاد التي فتحوها، ولم يرغموا أحدا بالدخول إلى دينهم، وبقي النصارى واليهود وغيرهم على ديانتهم إلى اليوم وليس على غرار ما فعله الأسبان بالمسلمين في الأندلس، إذ نكلوا بهم أشد التنكيل وقتلوا منهم الآلاف وهجروا الباقي إلى بلدان الشمال الإفريقي ومحو أثار الإسلام من هناك. ولو كان الإسلام دينا دمويا أنتشر بالسيف كما يزعم الغرب ما بقي أثرا للجاليات النصرانية واليهودية في مختلف البلاد الإسلامية وخاصة بلاد الشرق اليوم، وما بقي كذلك أحد منهم يدين بغير دين الإسلام. وعندما يسأل هؤلاء عن المذابح التي أرتكبتها الجيوش الإسلامية في البلاد التي فتحوها، وما أعداد الضحايا لا نجد إجابات في كتبهم التاريخية جريمة واحدة أرتكبها المسلمون في حروبهم ضد غيرهم.

فيما نجد النصرانية الغربية التي نشرها الرومان وأجبر الناس باعتناقها عنوة وتحت التنكيل والقتل بعد أن أصبح الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية هو دين الملك، وسيكتشف القارئ في هذا الجانب حجم الجرائم التي ارتكبتها في حق الإنسانية وكيف تعاملت الكنيسة النصرانية مع مخالفيها في الدين، وكيف نشرت المسيحية بالقوة والقهر. ومن ثم يتضح لنا كيف فضلت الشعوب الأوروبية العلمانية ورفضت النصرانية ممثلة في حكم الكنيسة بعد معاناة دامت قرونا من سيطرتها على مختلف الدول الأوروبية. 

فبمجرد أن أصبحت النصرانية سنة 315م الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية سارع القساوسة في قتل الكهنة والوثنيين وتدمير معابدهم، وابتداء من تاريخ اعتماد الدولة الرومانية النصرانية كدين رسمي للدولة إلى القرن السادس تم ذبح الآلاف من الوثنيين، وكانوا لا يعتبرون قتلهم جرائم على قدر ما كانوا يعتبرون ذلك انتصارا لحكم الرب.

من بين القساوسة الذين شنوا حملة قتل الكهنة والوثنيين ( مارك اريثوسا) و ( سايرل) اللذين كانا من بين الأشخاص الذين لقبوا ب "مدمروا المعابد". توال من بعد ذلك صدور قرار من قبل الدولة الرومانية سنة 356م بإعدام كل وثني يثبت ممارسته طقوسا وثنية. وفي سنة 408 450م أصدر الإمبراطور الروماني النصراني ( ثيودوسيوس) قرارا بإعدام الأطفال الذين يثبت ضدهم اللعب ببقايا التماثيل الوثنية وكان ينفذ التعاليم النصرانية بحذافيرها.

في تراير (ألمانيا) قام المسيحيون سنة 385 م بإعدام الإسباني (بريسكيليانوس) مع ستة من أتباعه وذلك بقطع رؤوسهم بعد توجيه إليهم تهمة الهرطقة. 

في سنة 372م بدأت جماعة نصرانية سرية بالترويج لتحديد واستخدام بعض الوسائل لنجاحه، وفور ذلك اعتبرته الكنيسة الكاثوليكية مناقضا للإيمان بدين الرب، فتم القضاء على هذه الجماعة ضمن حملات ضخمة في سائر أنحاء الإمبراطورية الرومانية أدت إلى قتل الآلاف من الأشخاص من الرجال والنساء.

وظلت الإعدامات سيدة الموقف، ففي أوائل القرن الرابع تم إعدام الفيلسوف (سوباتروس) بناء على طلب الكنيسة. ثم تلاها في سنة 415م تمزيق جسد الفيلسوفة (هيباتيا) وتحويله إلى قطع متناثرة في الأرض داخل كنيسة بالإسكندرية من طرف عصابة نصرانية يرأسها الكاهن (بيتر).
وبقيت الإعدامات مستمرة ففي عام 782م أمر الإمبراطور النصراني ( كارل شرلمان) بقطع رأس 4500 فرد بسبب رفضهم اعتناق المسيحية. 

وفي سنة 1234م فرضت الكنيسة في ألمانيا ضرائب مرتفعة على الفلاحين وعندما عجزوا على دفعها تم ذبح ما يقارب 11 ألفا من الرجال والنساء والأطفال.
قام الأمير الروماني (فلاد تيبيسو) الملقب ب ( دراكولا) الذي كان أميرا لرومانيا بين 1456 1462م بصد الاجتياح التركي (العثماني) لرومانيا، وقد أبتدع وسيلة مهينة لتعذيب الأسرى تعرف باسم (الحازوق)، وهي عبارة عن رمح يدق في الأرض، رأسه حاد، يدخل من دبر الضحية حتى يخرج من عنقه، وقد قتل بهذه الطريقة 40 ألفا من البشر كما قتل 05 آلاف من الفقراء لظنه أن بموتهم يقضي على الفقر.


وفي سنة 1456م وقعت معركة في بلغراد بين العثمانيين واليوغسلاف تم ذبح 80 ألفا من الأتراك.

بأمر من الكنيسة النصرانية في القرن الخامس عشر تم نهب 18 ألف قرية في بولندا، وكان عدد ضحاياها غير معروف.
قام الجنود الانجليز في القرن 16 و 17 بمهاجمة أيرلندا بحجة تعريفهم بالديانة النصرانية، وكانوا يصفون الأيرلنديين بالقومية المتوحشة، ويعيشون عيشة الوحوش، وبالتالي أمر القائد الإنجليزي ( همفري جليرت) بقطع رؤوسهم جميعا ووضع رأس كل واحد منهم بجانب جثته. لأن منظر الرؤوس المفصولة عن أجسادها حسب رأيه يزيد من رعب الأيرلنديين. وكان عدد ضحايا هذه المجزرة عشرات الآلاف من القتلى.
منذ أن وجدت المسيحية في أوروبا قامت وإلى عام 1484م بقتل آلاف السحرة والساحرات. ومنذ هذا التاريخ إلى عام 1750م قامت الكنيسة بحرق وشنق الآلاف منهم وكان معظمهم من النسوة.

مع بدء الحملة الصليبية الأولى ضد الإسلام عام 1095 1096م تحت قيادة البابا ( اربان الثاني)، قتل الآلاف في أوروبا الشرقية (المجر). وفي تلك السنة ( 1096) قتل كذلك بمنطقة (نيكايا) و (كسيريجوردون) بتركيا الآلاف من سكانهما. وفي شهر جوان من هذا العام غزا الصليبيون مدينة (انتيوشيا) التركية، وتم قتل ما بين 10 60 ألف شخص، ثم قام الصليبيون بعد أيام بقتل 100 ألف تركي من الرجال والنساء والأطفال، ويقر المؤرخ (فولتر) بأن الصليبيين لم يكتفوا بإيذاء نساء أعدائهم ولكنهم كانوا يبقرون بطونهم بالرماح. وإلى غاية سنة 1098م غزا الصليبيون نحو 40 مدينة كبرى وما يربو عن 200 قلعة وكان مجموع الضحايا من الرجال والنساء والأطفال يعد بالآلاف، ونظرا للمجاعة التي تعرضت لها الجيوش الصليبية كانوا يأكلون جثث الموتى، وذلك طبقا لما ذكره المؤرخ ( ألبرت اكينسيس).

كان عدد الضحايا عند احتلال القدس عام 1099م من قبل الصليبيين وصل إلى 60 ألف قتيل من رجال ونساء وأطفال المسلمين واليهود، وذكر الصليبيون: " أن أرجلهم كانت تغوص في دماء الأعداء إلى الكاحل، ونحن نصرخ ابتهاجا ونسير في اتجاه قبر يسوع المخلص لنمجده ونقدم امتنانا له ".

ويعد (أسقف) مدينة صور شاهد عيان، فكتب لهول ما رأى قائلا: " كان من المستحيل النظر إلى الأعداد الكبيرة من القتلى دون إحساس بالرعب، ففي كل مكان تجد أجزاء من أجساد بشرية ممزقة والأرض كلها كانت مغطاة بدماء القتلى. والغريب أن مشهد الجثث مفصولة الرأس والأطراف المبتورة في كل مكان لم يكن هو فقط مصدر الرعب في كل من شاهده، بل المنظر الأكثر إثارة للفزع هو النظرة التي كانت في أعين المنتصرين أنفسهم و هم ملطخون ويقطرون دما من الرأس إلى القدمين من دماء القتلى الذين قتلوهم مما أصاب هلع كل من ألتقيت بهم. و في محيط المعبد فقط كان يوجد حوالي عشرة آلاف قتيل من الكفار (المسلمين).

ويؤكد هذه المشاهد المرعبة المؤرخ النصراني ( ايكهارد) الذي كتب قائلا: " إن الرائحة الكريهة لتحلل جثث القتلى استمرت تعكر هواء فلسطين حتى حلول الصيف التالي". وتذكر المصادر التاريخية أن الحملة الصليبية الأولى وحدها مات فيها حوالى مليون قتيل.

في ديسمبر من سنة 1099م كانت معركة ( اسكالون) قد قتل فيها ما يزيد عن 200 ألف باسم يسوع المسيح.

مع بداية الحملة الصليبية الرابعة في ديسمبر 1204م هاجم الصليبيون القسطنطينية ودمروها ونهبوا كل ما كان فيها، وبلغ عدد القتلى بالآلاف، ومن بين القتلى يوجد نصارى.

حصيلة قتلى الحملات الصليبية إلى غاية تاريخ فتح مدينة عكا سنة 1291م على يد القائد ( الأشرف بن قلاوون) بلغ 20 مليون قتيل في فلسطين والشام والمناطق التركية.

الوجه الآخر للحملات الصليبية (البيجنزيانس) تعتبر أول حملة صليبية يكون ضحاياها من المسيحيين، و(البيجنزيانس) يعتبرون أنفسهم مسيحيين حقيقيين ولكنهم رفضوا الخضوع لحكم الكنيسة الكاثوليكية ودفع الضرائب التي فرضت عليهم ومنعهم لتحديد النسل. وفي عام 1209م شنت ضدهم حملة إبادة بقيادة البابا (انوسنت الثالث) ويعتبر هذا من أكبر المجرمين في التاريخ الإنساني. ومن جرائمه أنه دمر مدينة (بيزيرس) بفرنسا بكاملها وذبح جميع سكانها حيث بلغ عدد الذين قتلهم من 20 إلى 70 ألف ضحية، منهم نصارى كاثوليك لم يتجاوبوا مع مطالب البابا الداعية إلى تسليم المطلوبين المتهمين بالزندقة. ثم قام بذبح الآلاف في مدينة (كاركاسون) وفي مدن فرنسية أخرى.

واستمرت الإبادة العرقية 20 سنة حتى أبيدت طائفة (الكاتار) الذين كانوا يشكلون نصف سكان ( اورليان) جنوب فرنسا، وفور انتهاء الحرب سنة 1229م أنشئت محاكم التفتيش للقبض على بقية الفارين من شعب (الكاتار) وتم إعدامهم وحرقهم، وقدر عدد الضحايا نحو مليون قتيل من أفراد هذا الشعب.

ومن جرائم محاكم التفتيش، ما قام به القاضي الإسباني (تور كيهادا) الذي كان يرأس هذه المحاكم بإعدام 10220 شخص حرقا. 

ومن بين الجرائم التي ارتكبتها الكنيسة في حق العلم والعلماء هو إعدام (جون هاس) حرقا سنة 1415م الذي أبدى معارضته لعصمة الباب وصكوك الغفران. وفي سنة 1538م تم إعدام الأستاذ(هوبمايير) حرقا بفيينا.

جرائم الاحتلال الفرنسي للجزائر تفوق الخيال، ففي فترة احتلالها لهذا البلد قتلت نحو مليون ونصف مليون شهيد. وقتلت في خلال أسبوع واحد في 8 ماي 1945م في سطيف وخراطة وقالمة ما يزيد عن 45 ألف جزائري. وقامت بتقييد العشرات من المساجين في منطقة رقان بالجنوب الجزائري حول مكان تجربتها للقنبلة الذرية. فسحقت أجساد المساجين بعد تفجير القنبلة الذرية وظلت تكتم هذا السر إلا أن فضح ذلك بعض شهود عيان ممن شهدوا التجربة النووية. وكانت نتيجة تجربتها أنها قتلت 42 ألف جزائري وبمشاركة إسرائيلية. وفرنسا اليوم تطالب تركيا الاعتراف بإبادة الأرمن، ونسيت الإبادات الجماعية في حق الجزائريين، وتقف إلى جانب إسرائيل في قضية الهلوكست، ونسيت الهلوكست النووي الذي أبادت من خلاله عشرات الآلاف الجزائريين. 

وكان أن الاحتلال الأوروبي لإفريقيا السوداء لا يقل سوء عن ما فعله بالشعب الجزائري حيث كان يقتل الوثنيين بطرق بشعة لاستبدال ديانتهم بالقوة والقهر والذبح بالديانة النصرانية. وكانت النتيجة أن النصرانية دخلت إلى إفريقيا بالقهر والقتل. وما قامت به فرنسا في إفريقيا والمناطق التي احتلتها في العالم، وما فعلته إسبانيا في الأمريكيتين يصب في الهدف نفسه.

جرائم الكنيسة في حق العلماء
تاريخ حروب رجال الكنيسة الكاثوليكية للعلم والعلماء في القرون الوسطى طويل وحافل بالجرائم والإبادة الجماعية في حق الإنسانية، وحين كانت تمسك بيدها سلطة القرار فرضت سيطرة شبه كاملة على أوروبا لمدة ألف عام. وفي هذه الفترة أتسمت بعدم التسامح والتعصب الديني وكانت هذه هي الصفة الغالبة في تعاملها مع الناس مما عطل أدوات البحث والاجتهاد، وفرض رجال الدين قيودا شاملة على العلماء وحرموهم من مزاولة أي نشاط خارج ما تسمح به مبادئ الكنيسة المسيحية، وكانت نتيجة ذلك اتهام الكثير من العلماء بالهرطقة وممارسة السحر.

وفي زمن حكم رجال الكنيسة كانت تعتبر لديهم الأوبئة مثل الطاعون والكوليرا والجدرى ... إرادة إلهية لا يمكن مواجهتها، ولذلك لما ابتكر التطعيم ضد هذه الأمراض لقي معارضة شديدة من قبل الكنيسة، وكان أن ألقت جماعة نصرانية قنبلة في منزل الطبيب (بولستون) الذي كان مركزه يقوم بتطعيم مرضى الجدري. وكانت الكنيسة تعارض أي بحث علمي لا يتماشى مع المبادئ المسيحية ومنها التشريح الذي اعتبرته تشويها للجثث التي ستبعث بعد البعث في صور مشوهة.

كان الاعتقاد السائد لدى رجال الكنيسة أن العالم بدأ يوم الأحد 23 أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد، ولما تبين لرجال الكنيسة أن العالم المتوفي (وكليف) يقول بأن عمر الأرض أكثر بمئات السنين، أخرجوا رفاة عظامه وطحنوها ثم نثروها في البحر حتى لا تنجس الأرض.

كان ذلك في سنة 1543م عندما أمر (كوبرنيق) بنشر كتاب له وهو في أيامه الأخيرة على فراش الموت. كتب فيه أن الأرض ليست هي مركز الكون، وأنه بإمكان الإنسان إذا نظر من نقطة من الفضاء إلى الأجرام السماوية بدت له تدور حول الشمس، ولوجدنا كذلك تفسيرا لضوء النجوم وحركة الكواكب، وبالتالي فإن الكواكب والنجوم هي من تدور حول الشمس وليست الأرض هي مركز الكون كما يسود الاعتقاد. وكل هذه الحركة (نجوم وكواكب) بفعل دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. هذا الكلام أغضب رجال الكنيسة وقوبل بسخرية واستهجان واتهم بضعف إيمانه بمسيحيته، وكان جزاءه أن حرم من الشهرة ومن ثمار اكتشافاته العلمية، ووضع مؤلفه في أدراج النسيان، وأضاف إليه رجال الدين عبارة " هذه ما هي إلا مجرد نظرية, لا يجب أخذها في الحسبان".

قبل أن ينتهي القرن 16 ظهر العالم (جيرانو برونو) ليكتشف في أبحاثه معطيات جديدة تضاف إلى أبحاث (كوبرنيق) وتؤكد نظرياته. ومن ثم أخذ على عاتقه بنشرها في أنحاء أوروبا متنقلا من مدينة إلى أخرى، كما أضاف إلى نظرية (كوبرنيق) قراءات فلكية تثبت صحتها وتدعمها، وطبق مبادئها على جميع الأجرام السماوية. وأضاف في نظريته الجديدة كون الأرض لا تدور حول نفسها فقط بل تدور حول الشمس التي تعد نجما صغيرا مقارنة بالنجوم الأخرى المنتشرة في المجرات، وقال باحتمال وجود كائنات أخرى تسكن الفضاء الخارجي.

جرأة هذا العالم أدت إلى القبض عليه سنة 1594م، وسجنه لمدة ستة أعوام في انتظار تقديمه إلى المحاكمة. وفي سنة 1600م قدم إلى المحاكمة فأدانته بتهمة ما كان يعرف وقتذاك بالهرطقة والزندقة. رفض مبدائيا أمام المحكمة نوع الخطيئة الموجهة إليه. ثم حكم عليه بالإعدام حرقا، ربط لسانه وجرد من ملابسه وقيدت يداه ورجلاه بقضيب من حديد ثم جيء به إلى ميدان الزهور وسط روما، ثم بدأ منفذو الإعدامات بحرقه حيا وسط حشود كثيرة من المؤمنين بالكنيسة الذين كانوا يهتفون بالموت للكفار مثل (برونو).

بعد انقضاء 32 سنة من حرق (برنو) ظهر العالم الفلكي (جاليليو) في إيطاليا، يؤكد حقيقة ما ذهب إليه العلماء الذين أتهمتهم بالهرطقة بالأدلة والبراهين القاطعة، غير أن اختراع جاليليو للتلسكوب وتجاربه الفلكية كانت أخبارها عمت أوروبا، وكان محل تقدير واحترام بين الناس، لذلك لما سمع بأخباره رجال الكنيسة تملكهم الخوف ولم يستطيعوا القيام بأي شيء مسئ ضده، ولا أن يجرؤ أحد على تقديمه للمحاكمة وقتله نظرا لآرائه المؤيدة للذين أعدموا من قبله. غير أنه لم ينج من المضايقات والتهديدات بالقتل وهو في سن السبعين من عمره، وأجبرته الكنيسة بالاعتراف علنا بخطيئته أمام الناس وعدم دقة أبحاثه العلمية نظرا لكبر سنه، لكي تبقى الحقيقة الثابتة ما يقوله رجال الكنيسة من كون الأرض هي مركز الكون وكل الكواكب والنجوم تدور حولها. 

من أغرب الظواهر التي كانت تقع في عدة أماكن في العالم تحول الماء إلى لون من الألوان، وفي سنة 1770م حدث ذلك في أوروبا. عندما تلقت الأكاديمية الملكية للعلوم بتحويل الماء إلى لون أحمر أرجع رجال الكنيسة ذلك إلى غضب الله ، ولما تكرر وقوع هذه الظاهرة في السويد قام أحد العلماء بدراستها وانتهى إلى نتيجة مفادها أن احمرار الماء تعود أسبابه إلى وجود حشرات ذات أحجام صغيرة تطلق مادة حمراء، ولما علم كبير الأساقفة بنتائج الدراسة وصفها بالعمل الشيطاني ورفض نتائجها جملة وأصر على أن هذه الظاهرة غير طبيعية، ثم مورست على هذا العالم ضغوطات وتهديدات بالقتل، ليتراجع في الأخير عن نتائج تقريره ويسند ذلك إلى أمر مجهول تتجاوز مستواه العلمي.

وأرجعت الكنيسة أسباب حدوث الصواعق والبرق بإعراض الناس عن دفع العشور وعدم مساعدتهم في إصلاح الكنائس، ولما حاول (بنيامين فرانكلين) إثبات أن البرق ما هو إلا شحنات كهربائية موجبة وسالبة وأن وضع أعمدة حديدية مانعة للصواعق تمتص شحناتها الكهربائية، عارض رجال الكنيسة هذه المانعات، غير أن الناس أخذوا بنصائح هذا الرجل ووضعوا فوق بيوتهم مانعات الصواعق لامتصاص شحنات الصواعق. ولما وقع في أمريكا (ماساشوست) زلزال سنة 1755م أرجعوا أسبابه إلى نصب مانعات الصواعق فوق البيوت والمحلات. وفي ألمانيا أجبروا رجال الدين بوضع مانعات الصواعق على الكنائس بعدما دمرت الصواعق حوالى أربعة مائة برجا من الكنائس وقتلت نحو مائة وعشرين فردا كانوا مكلفين بخدمة الأجراس، ولم يمض وقت طويل حتى كانت جميع الكنائس قد أذعنت للنظرية العلمية ونصبت على أبراجها مانعات الصواعق.

وحسب التفسير الكنائسي فإن الأعاصير والرياح العاتية تصنعها الشياطين، وهي من تقوم بتهييجها، لذلك أصدر البابا ( جورجي) الثالث عشر أمرا بدق الأجراس عندما تهب الرياح العاتية ويزداد الجو سوء. ثم ربطت ظاهرة الأعاصير بفعل الساحرات اللاتي يساعدن الشياطين في صنع الكوارث المختلفة، على خلفية ذلك أصدر الباب (أنوسنت) الثامن فى سنة 1484م أمرا بقتل جميع الساحرات، فشن رجال الكنيسة حملة واسعة في ألمانيا ضد الساحرات بتهمة ضلوعهن في فساد الجو وإظهار باقي الظواهر الغريبة، أدت هذه الحملة إلى قتل آلاف الساحرات حرقا.

هذه وقفة على ما فعله رجال الدين النصارى في العلماء والمخالفين لرأيهم ودينهم ومصالحهم، ولكن مثلها في الإسلام لم تقع إلا لأفراد قلائل ادعوا الإلوهية والنبوة والسحرة الذين أرادوا بأفكارهم نشر الضلال والفساد والزندقة، وبعدما أصبحوا يشكلون خطرا على دين الناس وعقيدتهم، فضلا على أنه لم يثبت لهم رأي صحيح .. بل إن الأيام أثبتت أن آرائهم كانت شعوذة وزندقة، فالحلاج قتل نظرا لادعائه الربوبية والنبوة، والسهروردي أظهرت كتبه أنه كان يمارس السحر ومحاولته نشر فلسفات وثنية بأسلوب فلسفي. غير أننا لا ننكر أن بعض الأنظمة الإسلامية لم تخل سياستها من مثل هذه الممارسات التعسفية والمضايقات في حق المفكرين وسجن أصحاب الرأي بل حتى إعدامهم.

صحيح، أن المجتمعات الإسلامية تعتبر من يتطاول على دينها وعقيدتها خطا أحمرا، وكل ما يطعن في ثوابت المجتمع سواء كان بلفظ أو بكتابة، يكون قد تجاوز حدود ما يسمح له به القانون، ولذلك فإن ابن المقفع الذي كانت عقيدته مزيجا بين فلسفات الشرق والغرب وأن تصرفه وصل إلى حد إغضاب الخليفة المنصور (الدولة العباسية) فاتهمه بالكفر ثم قتل وقطعت أطرافه وألقي في النار. 

وهو ما حدث للإمام ابن حنبل الذي تعرض إلى الكثير من المضايقات، وتم سجنه من قبل الخليفة المعتصم، وقد عذب في السجن، وهو كذلك ما حدث للكندي الذي جرد من ملابسه وهو في الستين من عمره وجلد ستين جلدة، وذلك نزولا عند طلب الحكم وسط تهليل الناس. وهو ما حدث كذلك للرازى الذي ضرب على رأسه حتى فقد بصره. وكذلك ابن رشد إذ جلبت له فلسفته هموما كثيرة، وقد حرقت داره وكتبه وأتهم في إيمانه، والكثير من الفلاسفة وجهت لهم تهمة الزندقة والكفر ولكن هذه التهم لم ترق إلى حد عقوبة الإعدام.

لكن، كل هذه الحالات لم تكن إلا ذرة حبة رمل في كثبان رمل مقارنة بما حدث في أوروبا على أيدي رجال الكنيسة. فضلا على أن هذه الحالات كانت بأمر حكام ولم تكن بقرار صدر من مسجد أو من طرف إمام. 

إن الثابت والمتغير في المسيرة الأخلاقية التاريخية للغرب المسيحي هو نجاحه في استبدال مظالم وجبروت الكنيسة النصرانية، بمظالم جديدة سمتها الديمقراطية، هذه الديمقراطية التي أرادت أن تفرضها على العالم وبالأخص على العراق وأفغانستان أدت إلى إبادة شعبين بكاملهما. فالثابت في العقلية الغربية أنها لم تتخل عن همجية أسلافها القدماء، وطبقوا طريقة التلون، فتلونوا لكل زمن بلونه، وهذا الغرب الذي يدعي حرية الرأي لا يأوي إلا كل منحرف عن عقيدة وما شعار التنوع في المعتقدات ما هو إلا عنوان زائف، وقد منعت المسلمات المرتديات للحجاب من المدارس والأعمال الحكومية، وحرمت قوانينه إنكار (الهولوكست) وكل ما يطعن في السياسة الإسرائيلية، بينما يشجع الغرب كل من يطعن في الإسلام ورموزه الدينية، وهو يتستر تحت عناوين كثيرة وخاصة العلمانية، ولكن مشاريعه السياسية والاستراتيجيات العسكرية تقوم على خلفيات دينية صليبية، وتتحرك بهذا الدافع وتؤمن في أعماق نفسها بالمصير المحتوم الذي ينتظر البشرية في ملحمة (هرمجدون).

إذن، قد آن لنا أن نقارن في هذا المحل أيهما أرحم وأعدل، التاريخ الدموي للنصرانية أم الإسلام الذي حرم دينه قتل الأسرى والشيوخ والنساء والأطفال وقطع الأشجار وتدمير المنازل وتخريب الممتلكات، بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبت في حق السكان الأصليين لأمريكا الشمالية على يد البيض الذين كانوا يحملون أفكار الكنيسة، والحروب الصليبية الأمريكية والأوروبية التي ما زالت إلى يومنا هذا تقتل عشرات الألوف في أفغانستان والعراق وفي فلسطين وفي بعض دول إفريقيا؟


هناك تعليق واحد: