السبت، 29 مارس 2014

فصل من كتاب محمد مشتهى الأمم

فصل من كتاب محمد مشتهى الأمم
الذي نفدت طبعته الأولي من الأسواق
كتاب محمد مشتهى الأمم
 

العرب نيوز
 كتاب محمد مشتهى الأمم
10/5/2010 ينشر موقع "العرب نيوز" فصلا منكتاب"محمد مشتهي الأمم " للكاتب الاسلامي محمد عبد الشافي القوصي والذي صدر عن مكتبة مدبولي الصغير والذي بيعت كل نسخ الطبعة الأولي من الأسواق خلال أسبوع رغم عدم وجود دعاية كافية للكتاب.
يضم الكتاب الذي يتكون من 304 صفحة كل ما ورد عن النبي محمد في الكتاب المقدس الحالي، وحوى ما يزيد عن 50 موضع في أسفار العهدين القديم والجديد، مع مقارنات بين النسخة العربية والنسخة الانجليزية للكتاب المقدس.
أكد الكتاب أن البشارة بالنبي محمد صلي الله عليه وسلم موجودة في الأناجيل الحالية رغم عمليات الحذف التي تمت لكثير من الآيات وعمليات التحريف.
استعان الكاتب بعدد كبير من القساوسة السابقين وآخرين حاليين علي مدار 4 سنوات، وقرأ العشرات من الموسوعات المسيحية العربية والغربية لشتي المذاهب المعروفة، وجمع هذا الكم الكبير من النصوص التي تشير صراحة الي أن أنبياء بني اسرائيل والمسيح بشروا مرارا بقدوم نبي الاسلام.


ما ورد في الكتاب يأتي مصداقا للآية القرآنية " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ ‏" (الأعراف‏:157)‏. أي أن التبشير بالنبي محمد سيظل مكتوبا في التوراة والاناجيل رغم كل ما تم بها من تحريف وتبديل.

فيما يلي نص أحد فصول الكتاب:

ماذا يقول الكتاب المقدّس عن مُحمّد؟

منذ سنوات، وقف القس Hiten وألقى محاضرة في المسرح الملكي في ديربن Durbin بالمملكة المتحدة، فَسّر فيها التنبؤات التي وردت في التوراة والإنجيل، بشكل يبرهن على أن الإنجيل قد بشّر بقيام الاتحاد السوفيتي، وبأنّ القيامة ستقوم في غضون سنوات قليلة، كذلك ادّعى هذا القسيس بأن (الإنجيلGospel) لم يترك شيئاً إلا أحصاه، فتنبأ بقيام دولة الفاتيكان والبابا، وادّعى كذلك أن التنّين الذي ورد في الإصحاح الثاني عشر من (رؤيا يوحنا اللاهوتي) إنما هو (هنري كيسنجر H.kissinger) وزير خارجية أميركا السابق!

ومن حقنا أن نسأل هذا القسيس، وغيره من الأحبار والرهبان: إذا كان "الإنجيل" قد تنبأ بكل شيء، حتى مثل هذه الأشياء الصغيرة .. ألمْ يتنبأ –كذلك- بأجلّ وأعظم حدث في التاريخ، بلْ في الدنيا كلها، ألا وهو ظهور (الإسلام)؟ ذلكم الحدث الذي اعتبرتموه أخطر زلزال وأكبر تحدِّ في تاريخ الكنيسة –كما يقول فلاسفة المسيحية!

يقول علماء اللاهوت: إن هناك مئات أوْ آلاف من التنبؤات في العهد القديم تشير إلى مقدم (عيسى) عليه السلام. ولكن إذا سألتَ أحدهم أن يأتيك بأيّ إشارة إلى عيسى بالاسم، أوْ إلى المسيح بالذات، أوْ حتى كلقب، أوْ على ما يشير إلى أن عيسى هو المسيح، أوْ المسيح هو (عيسى) أوْ إلى والدته هي مريم، وأن الذي رعاه هو يوسف النجار، أوْ إلى أنه سيُولَد في عهد هيرود الملِك، وما إلى ذلك من تكهّنات لا يجد ما يدلّ على دعواه. ولكن فلاسفة المسيحية أرهقوا أنفسهم في البحث حتى أرهقوا البحث ذاته، وأتوا بفقرة من سِفْر التثنية في العهد القديم، نصّها في نسخة الآباء اليسوعيين: (سأُقيم لهم نبياً مثلكَ من وسط إخوتهم. وأجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكل ما أُوصيه به. ولسوف تستمعون إليه. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم باسمي أنا أُطالبه) "التثنية 18:18". وفي النسخة الكاثوليكية من الكتاب المقدس يقول: (سأكون أنا المنتقِم) أيْ أنّ الله سيتوعّد بالعقاب من لا يسمع له.
وهذا النص جاء في النسخة الإنجليزية كالآتي: (ولسوف يُقيم ربكَ رسولاً من أبناء عمومتكم مثلك. وأجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكل ما أُوصيه به. ولسوف تستمعون إليه …".

ونحن نتساءل: ماذا تعني هذه النبوءة؟ وإلى أيّ شخص تشير .. إلى عيسى أمْ إلى غيره؟
ويذهبون إلى أن عيسى هو مثل موسى باعتبار أنهما رسولان، وأنهما من بني إسرائيل. ونحن إذا سلّمنا بهاتيْن النقطتيْن، ووافقناهم في تأويلهم، فإننا نكون غير محايدين، لأنّ هناك أنبياء كثيرين تجمعهم بموسى هاتان الصفتان، أمثال: سليمان، وإشعياء، وحزقيال، ودانيال، وهوشع، وملاخي، وزكريا، ويحيى، وغيرهم الكثير. فكلّهم كانوا يهوداً، وكانوا أنبياء.

لكن، بنظرة موضوعية لا نرى أنّ عيسى مثل (موسى) للأسباب التالية:

- يرى المسيحيون أن عيسى إله، في حين يرى اليهود أن موسى لم يكن إلا نبياً ورسولا.

- يرى المسيحيون أن عيسى صُلِبَ مُكفِّراً عن خطايا العالم، ولكن موسى لم يمت مُكفِّراً عن خطايا أحد.

- يرى المسيحيون أن عيسى ذهب إلى النار لمدة ثلاثة أيام، في حين لم يذهب موسى إلى نار إطلاقاً. وعلى ذلك لا يكون عيسى مثل موسى.

ولكن إذا قارنّا مُحمّداً بموسى في حدود هذه الجملة التي وردت في التوراة، نجد ما يلي:

- وُلِدَ موسى من أب وأُم، كذلك وُلِدَ مُحمّد، ولكن عيسى وُلِدَ من أُنثى فقط، ولم يكن له أب.

- وُلِدَ موسى بالطريق الطبيعي زواج رجل بامرأة، ولكن عيسى وُلِدَ بمعجزة.

- لقد تزوج موسى كذلك مُحمّد، وأنجبا ذرية، أمّا عيسى فبقِيَ دون زواج طيلة حياته، وبالتالي فإنّ (عيسى) ليس كموسى، ولكن مُحمّداً مثله.

- صَدَّق الشعب العربي مُحمّداً كما صدّق الشعب اليهودي موسى، وقد تقبّلاهما كرسوليْن خلال حياتهما. وأن عيسى الذي جاء إلى اليهود، لم تقبله اليهود حتى بعد قرابة ألفي سنة. وعلى ذلك نقول: إن عيسى ليس مثل موسى، بلْ موسى مثل مُحمّد.

- كان كل من موسى ومُحمّد رسولاً وحاكِماً مدنياً. لكن عيسى لم يحكُم ولم يملِك حق تنفيذ الشريعة كصاحبيْه، وبالتالي نقول: إن عيسى لم يكن مثل موسى، بلْ كان مُحمّد مثله.

- جاء كل من موسى ومُحمّد بشريعة جديدة. أمّا المسيح فنجده يكرّر مِراراً للشعب اليهودي بأنه لم يأتِ بدين جديد، وما جاء لينقض شريعة موسى، بلْ ليصلح فقط. وعلى ذلك يكون عيسى غير موسى وليس شبيهاً له، في حين أنّ مُحمّداً شبيه بموسى ومثله.

- مات كل من موسى ومُحمّد بطريقة طبيعية، لكن عيسى وِفْق ما يدّعيه المسيحيون قُتِل على الصليب، ووفْق القرآن رُفِعَ إلى السماء. وعلى ذلك يكون مُحمّد مثل موسى، وليس (عيسى) مثل موسى.

- دُفِنَ جُثمان كل من مُوسى ومُحمّد في الأرض، ولكنّ عيسى كان مثواه السماء، وبالتالي يكون مُحمّد مثل مُوسى، أمّا عيسى فلا.

ومعنى "أجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكل ما أُوصِيه به" التي وردتْ في النص: أيْ أنّ هذا النبيّ سيكون أُميّاً، لا يقرأ ولا يكتب.

وأمّا المقصود بـ(من وسط إخوتهم .. أوْ من أبناء عمومتهم) أيْ من نسل (إسماعيل) وليس من نسل بني إسرائيل .. لأنه لوْ كان هذا النبيّ الموعود من نسل إسرائيل، لقال: منكم أوْ من أنفسكم أوْ من بيت إسرائيل. أليستْ هذه هي الحقيقة؟

ومما يُدحِض رأي اليهود والنصارى في أن هذه البشارة لم تكن متطابقة على يوشع ولا على المسيح بأيّ حال من الأحوال، وإنما تؤكد أنها تبشّر بالنبيّ الأُميّ الخاتم؛ فقد جاء في آخر التوراة أنه لا يقوم في بني إسرائيل نبيٌّ مثل موسى. "وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى، الَّذِي خَاطَبَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْه" (التثنية 34: 10) وكما هو معروف لدى الجميع أن المسيح كان من بني إسرائيل. فلا يبقى إذنْ سوى (مُحمّد) الذي تحدّث عنه سِفْر التثنية!

* * *
ومادام الأمر كذلك، فإنّ القس Hitenقد فتح شهيتنا لنخبره وأمثاله من الأحبار والرهبان قليلي الفهم أوْ غير العالِمين بما في أيديهم من صحائف ولفائف وأسفار قديمة- عن البشارات المستقبلية عن نبيّ آخر الزمان، التي غضّوا الطرف عنها، ولم يحاولوا أن ينصتوا إليها!

فقد حَظِي (النبيّ الأُميّ) بالنصيب الأوفى من تلك البِشارات، ونظراً لكثرتها وتنوعها غلبوا عن كتمانها وإخفائها، فصاروا إلى ‏تحريف التأويل‏ وإزالة معناها عمّن لا تصلح لغيره، وجعلها لمعدوم لم يخلقه الله ولا وجود له البتّة0 فجمعوا بين التحريف والكِتمان‏ لنعت الرسول، وأخذ هذا التحريف عدة أشكال، منها: إلباس الحق بالباطل، أيْ خلطه بحيث لا يتميز الحق من الباطل‏، وكِتمان الحق وإخفاؤه،‏ وتحريف الكَلِم عن مواضعه، سواء في لفظه أوْ معناه‏، ولَيّ اللسان به ليلبس على السامع اللفظ المنزل بغيره، وقد وبّخهم الله سبحانه وبكّتهم على لسان رسوله بالتحريف والكتمان والإخفاء.

وإذا كان القوم يقرأون كتبهم ويؤمنون بما جاء فيها كما يزعمون؛ فإننا ندعوهم إلى إعادة قراءة البِشارات التالية؛ بشرط أن يحترموا عقولهم، وينحازوا للحق وحده .. وقد حاولنا الاعتماد في كثير من النصوص على النسخة الإنجليزية من الكتاب المقدس، لأن نسخة الآباء اليسوعيين مملوءة بالحشو والأخطاء والفراغات، إلى جانب ركاكة الترجمة، وتضارب النسخ وتناقضها في أغلب النصوص، وقد نبّهني لذلك كثير من الإخوة المسيحيين.

إنّ من يتصفح الكتاب (المقدس) سوف يرى كماً هائلاً من البشارات التي جاءت في أسفار الأنبياء تُبشّر بمقدِم نبيّ أُميّ عظيم، أوْ نبيّ آخر الزمان، وتذكر صفاته وأحواله والتي من أهمها: أنه ليس من بني إسرائيل، كما أنه صاحب شريعة تدوم إلى الأبد، ويسحق أعداءه، ودعوته تكون لخير جميع الأُمم. وهذه الصفات لم تتوافر في أحد من الأنبياء سواه، ولا يمكن للنصارى حمل تلك النبوءات التي يقرّون في أنها نبوءات، لا يمكن لهم أن يحملوها على غيره، إذْ موسى وعيسى كانا نبيّين إلى بني إسرائيل فقط، وكان موسى صاحب شريعة انتصر أتباعه على أعدائه، وأمّا عيسى فلم ينزل بشريعة مستقلة، بلْ جاء بتكميل شريعة موسى، فهو القائل: "لا تظنّوا أنّي جئتُ لأنقض الناموس أوْ الأنبياء، ما جئتُ لأنقض بلْ لأُكمل" (متى 5/17) ولم يُقيّض له أن ينتصر على أعدائه، بلْ يزعُم النصارى أنّ خصومه تمكّنوا منه وصلبوه .. فكيف يُقال بأنه المختار الذي يسحق أعداءه وتترقّبه الأُمم؟! 

بشارة يعقوب بشيلون:

أقدم النبوءات الكتابية التي تحدثت عن النبيّ الخاتم جاءت في وصيّة يعقوب لبنيه قبل وفاته حين قال لهم: "لا يزول صولجان من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون. وله يكون خضوع الشعوب" (التكوين 49/10).

والمعنى أنه ستظل النبوة في بني إسرائيل، إلى أن يأتي عظيم العالم أوْ أركون العالم (مُحمّد) الذي ستخضع الشعوب لدينه وشريعته، ومن ثمّ يبطُل العمل بالشرائع السابقة.

بشارة (سِفْر التثنية)

ورد في سِفْر التثنية (الإصحاح 33 الفقرة 2): (جاء الربُّ من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلألأ من جبال فاران. عن يمينه نار شريعة لهم. فأحبّ الشعب جميع قديسيه. في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك).

وهي في النسخة الإنجليزية (جاء الله من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلألأ فصاعداً من جبل فاران وأتى مع عشرات الآلاف من القديسين. من يده اليمنى فرض لهم قانوناً نارياً، فأحبّ الشعب جميع قديسيه. في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبّلون من أقوالك).

وهذا النص يتحدث عن موضع نزول الرسالات السماوية الأخيرة (جاء الربُّ من سيناء) المقصود بها رسالة موسى، و(أشرق من ساعير) تشير إلى رسالة عيسى -وساعير هي منطقة جبلية بأرض فلسطين، وهي الأرض التي عاش فيها المسيح- و(تلألأ من جبال فاران) المقصود بها رسالة الإسلام على النبيّ الأُميّ، وفاران هي مكة المكرمة، وهى نفس الأرض التي عاش عليها .. كما ذكر سِفْر التكوين (الإصحاح21) وكان ينمو رامي قوس. وسكن في بريّة فاران). وهذا النص يوافق بداية سورة التين في القرآن، حيث يُقْسِمُ الله تعالى قائلاً: ]وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.وَطُورِ سِينِينَ.وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ[ [التين 1-3]. هذه الآيات الكريمة تشير إلى أماكن الرسالات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام

بشارة سِفْر العدد:

جاء في قصة بلعام بن باعوراء أنه قال لقومه: (انظروا كوكباً قد ظهر من آل إسماعيل. وعضّده سِبْط من العرب. ولظهوره تزلزلت الأرض ومن عليها). ومعروف أنه لم يظهر من نسل إسماعيل إلا (مُحمّد) وما تزلزلت الأرض إلا لظهوره، وتغيّر الكون بعد بعثته.

بشارات المزامير:

البشارة الأولى: في مزامير داود: ورد في (المزمور 45: 3-5) (أنتَ أبرعُ جمالاً من بني البشر. انسكبت النعمةُ على شفتيْك. لذلك بارككَ الله إلى الأبد. تقلّد سيفكَ على فخذكَ أيها الجبار. لأنّ بهاءكَ وحمدكَ البهاء الغالب. وبجلالكَ اقتحم الركب من أجل الحق والدعة والبر. فإنّ ناموسكَ وشرائعكَ مقرونة بهيبة يمينك. وسهامكَ مسنونة. والأُمم يخرّون تحتك).

وفي هذا النص إشارة إلى محاربة خصومه، وانتصاره عليهم، وفي قوله "لذلك بارككَ الله إلى الأبد". يعني أن رسالته ستكون هي خاتمة الرسالات لأنها ستبقى إلى قيام الساعة، و"انسكاب النعمة على شفتيْه" تشير إلى الفصاحة والإعجاز البياني الذي جاء به القرآن.

البشارة الثانية: قول داود في المزمور الثامن والأربعين: (إن ربنا عظيم محمود جداً. وفي قرية إلهنا وفي جبلهِ قُدُّوس ومُحمّد. وعمّت الأرض كلها فرحاً). فقد صرّح وأبانَ عن اسمه، ومكان بعْثتهِ وهي "أُم القُرى" ووصف حال الكون عند مبعثه وهو الاستبشار والفرح، فقد كانت الشعوب المغلوبة تتلقّ جنوده بالاستبشار -كما هو مدوّن في كُتب السيَر والتأريخ.

البشارة الثالثة: قوله في المزمور الثاني والسبعين: (إنه يجوز من البحر إلى البحر. ومن لَدُن الأنهار إلى منقطع الأرض. وأن أهل الجزائر يخرّون بين يديه على ركبهم. وتلحس أعداؤه التراب. وتأتيه الملوك بالقرابين. وتسجد له الملوك كلها، وتدِين له الأُمم كلها بالطاعة والانقياد. لأنه يخلّص المضطهد البائس مِمّنْ هو أقوى منه. ويرأف بالضعفاء والمساكين. وينجّي أنفسهم من الضر والضيم، وتعزّ عليه دماؤهم. وأنه يبقى ويعطى من ذهب سبأ. ويُصلَّى عليه في كل وقت. ويُبارَك عليه كل يوم مثل الزروع الكثيرة التي تطلع ثمارها على رؤوس الجبال. وينبت في مدينته مثل عشب الأرض. ويدوم ذِكْرهُ إلى الأبد. وأن اسمه لموجود قبل الشمس. فالأُمم كلها تحتفي به. وكلها تباركه).

البشارة الرابعة: قال داود في المزمور الحادي عشر بعد المائة: (قال يهوه لسيدي: اجلس على يميني إلى أن أجعل أعداءكَ مسنداً لقدميْك).

وهذا النص يشير إلى (مُحمّد) لأنّ داود كان مَلِكاً، ولا يتأتّى أن يكون خادماً لأيّ أحد من البشر، ولا يمكن لداود أن يدعو أحداً من نسله بـ"سيّدي" لأن اللقب المعقول حينئذ سيكون: يا بُنيّ. ولما قِيل للمسيح: أأنت سيّد داود؟ قال: لا –كما ورد في الإنجيل. فلا يكون المقصود بهذه البشارة سوى مُحمّداً. فهو أعظم نبيّ نشر التوحيد، وانتصر على أعداء الله، وقضى على الشرك، وطهّر الأرض من الأصنام وعبادة النار، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور.

البشارة الخامسة: قول داود في (المزمور 149): (من أجل أن الربّ رضي وتطوّل على المساكين بالخلاص. فليتعزّز الأبرار بالكرامة. ويسبّحونه على مضاجعهم. ويكرمون الله بحناجرهم. لأن في أيديهم السيف ذا الشفرتين للانتقام من الشعوب وتوبيخ الأُمَم. وإثقال ملوكهم بالقيود. وعليّتهم ومكرّميهم بالسلاسل. ليحملهم على القَدَر المكتوب المُبْرَم. فالحمد لجميع أبراره). ألمْ تتحقق هذه النبوة في مُحمّد وصحبِه بالذكر قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم؟ وهو المنتقِم بأُمته من جبابرة فارس وطغاة الروم، وهو الذي قَيّدت أُمتهُ الملوكَ بالسلاسل؟

البشارة السادسة: قول داود في المزمور الثاني والخمسين بعد المائة: (لترتاح البوادي وقراها. ولتصِر أرض قيدار مُروجاً. وليسبّح سكان الكهوف، ويهتفوا من قُلَل الجبال بحمد الربّ. ويُذيعوا تسابيحه في الجزائر …). فمَنْ هو قِيدار؟ إنه ولد إسماعيل عليه السلام، وهم سكان الكهوف الذي يحمدون الربّ ويذيعون تسابيحه في الهواجر والأسحار.

البشارة السابعة: قول داود: (طُوبَى لكم يا بني إسماعيل سيُبعث منكم نبيّ تكون يده عالية على كلّ الأُمم. وكل الأُمم تحت يده). وهذه البشارة مماثلة للبشارة الأولى في سِفْر التكوين.

البشارة الثامنة: قول داود في المزمور: (عظّموا الله يا كلّ الأُمم. ووحّدوا الله يا أهل الأرض. سيُبعث لكم نبيّ الرحمة) فهل بعد هذا التصريح من تصريح؟ ومَنْ هو الذي لُقّب بنبيّ الرحمة سِوى مُحمّد؟

والنبي "سليمان" عليه السلام قال في مزمور (72): (تحمل الجبال سلاماً للشعوب. يقضى للمساكين. ويسحق الظالم. ويُشرِق في أيامه الصِدق ويكثر السلام. ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. أمامه تجثو أهل البرية. والملوك يقدّمون له الهدايا. ويُصلَّى لأجله دائماً. اليوم كله نباركه). إشارة إلى امتداد سلطان مملكته ودعوته إلى ما لانهاية، وتخضع له الملوك، ويقدّمون له الهدايا كما فعل مَلِك مصر "المقوقس" وغيره.

وهناك بشارات سِفْر نشيد الإنشاد، الذي زعم اليهود أنه رمز لأورشليم. وقال النصارى: إنه رمز للكنيسة المسيحية. أمّا نحن فنقول: إنه رمز إلى مكة المكرمة والنبوة الخاتمة. ومما ينقض زعم اليهود قوله في (الإصحاح 6/4):(أنتِ جميلة يا حبيبتي كترصّة حسنة كأورشليم) فلا يصحّ أن تكون أورشليم مُشبّهة بنفسها، بلْ لابد أن يكون المشبّه شيئاً آخر غير أورشليم. أمّا ما يُثبِت أن هذا السِفْر هو في حق مكة المكرمة، قوله (1: 5-8):(أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم. وخيام قِيدار كشقق سليمان. لا تنظُرنّ إليّ لكوني سوداء. لأنّ الشمس قد لوحتني وبنو أُمي غضبوا عليّ. إنْ لم تُعْرَفي أيتها الجميلة بين النساء فاخرجي على آثار الغنم وارعي جداءك عند مساكن الرعاة). وقوله (2:8): (صوت حبيبي هو آتٍ طافراً على الجبال قافزاً على التلال). إشارة إلى حياة العرب في الصحاري ورعيهم المواشي وسُكناهم في خيام سود كخيام (قِيدار) وهو ابن إسماعيل الثاني (تك25:13).

بشارة النبيّ صفتيا:

وقد كشفت بشارة سِفْر (صفتيا) عن انتقال الملكوت (النبوة) إلى أرضٍ جديدة، وقِبلةٍ جديدة، ولُغةٍ جديدة، وشعائرٍ جديدة، وذلك في قوله: (يقول الربّ: أيها الناس ترجّوا اليوم الذي أقوم فيه للشهادة، فقد حان أن أُظهِر حُكمي بحشر الأُمم كلها وجميع الملوك. لأصبّ عليهم رجزي. وأليم سخطي. فستحترق الأرض كلها احتراقاً بسخطي ونكيري. هناك أُجدّد للأُمم اللغة المختارة، ليذوقوا اسم الربّ جميعاً. ويعبدوه في ربقة واحدة معاً ويأتون بالذبائح في تلك الأيام من معابر أنهار كوش). والمقصود بـ(كوش) بلاد إفريقيا.

بشارة سِفْر حِجّي النبيّ:

ورد في (الإصحاح 2: 6-9): (لأنه هكذا قال ربُّ الجنود هي مرة بعد قليل سأُزلْزِل السماوات والأرض والبحر واليابسة. وأُزلْزِل كلّ الأُمم ويأتي مُشْتهَى كلّ الأُمم. فأملأ هذا البيت مجداً قال ربُّ الجنود. لي الفضة ولي الذهب يقول ربّ الجنود. مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال ربّ الجنود. وفي هذا المكان أُعطي السلام قال ربّ الجنود).

ولفظ (مُشتهَىَ كل الأُمَم) Desire of all nation/s أيْ محمود كل الأُمم وهي لا تعني إلا رسولاً تنتظره كلّ الأُمم، وعبّر عن ذلك الانتظار بلفظ "مُشتهَىَ كلّ الأُمَم" يعني يخرج من غير العبرانيين الذين يطلقون على أنفسهم "شعب الله المختار"! كما لا يكون مرسلاً إلى قطيع من الخراف الشاردة، بلْ إلى جميع أُمَم الأرض، لأن العبرانيين يطلقون على من عداهم من الناس لقب الأُمم أو "الأُمميين". فهذه البشارة "مُشتهَى كلّ الأُمم" لا تعني إلا (مُحمّداًe). فمن سوى هذا النبيّ الذي زلزل السماوات والأرض وما فيها بسلطانه وشرائعه؟ ومن سواه الذي تحقّق به السلام والأمن عند البيت، خاصة أنه خُرّبَ ودُمّرت أركانه قبل مجيء الإسلام؟

بلْ الملاحظ أن النص يتحدث عن بيْتين، مشيراً إلى أن مجد البيت الأخير (البيت الحرام) سيكون أعظم شأناً من مجد الأول (بيت المقدس). وهو ما حدث بالفعل!

بشارة النبيّ حزقيال:

قال حزقيال في الإصحاح التاسع: (أُمّة مغروسة على الماء مثل الكرمة التي أخرجت ثمارها وأغصانها من مياه كثيرة. وتفرعت منها أغصان كالعصى قوية مشرفة على أغصان الأكابر والسادات. وارتفعت وبسقت أفنانهن على غيرهن. وحسنت أقدارهن بارتفاعهن والتفاف سعفهن. فلم تلبث الكرمة أن قُلِعت بالسخط، ورُمِيَ بها على الأرض. وأحرقت السمائم ثمارها. وتفرّق قواها، ويبس عصي عزها. وأتت عليها النار فأكلتها. بعد ذلك غرس كرمةً أخرى في البدو وفي الأرض المهْملة العطشى. فخرجت من أغصانها الباسقة نار أكلت ثمار تلك حتى لم يوجد فيها عصا قوية بعدها ولا قضيب ينهض بأمر السلطان).

هذا الحُكم الذي صدر من الله على بني إسرائيل بزوال مجدهم، وقد شبّه الأُمّة اليهودية إبان عزّها وسؤددها –لمّا كانت تعيش تحت مظلة الأنبياء– بالكرمة الحسنة، وبعد أن تمردت وأغضبت ربها،ُ نزع منها النبوة، واستأصل شأفتها، واقتلع جذورها، فذرتها الرياح، وأكلتها النار، وانتهى مجدها. واستبدل اللهُ بها أُمّةً هي خير أُمّةٍ أُخرِجت للناس، وشبّهها بشجرة قد غُرِست في أرض البادية العطشى، فأثمرت هذه الشجرة الأغصان الباسقة (الشريعة العالمية) التي نَسَخَتْ الشجرة الأولى .. فلم يبقَ فيها عهداً ولا نبوة ولا شَرْعاً صالحاً.

بشارة سِفْر النبيّ ميخا:

جاء في (الإصحاح الرابع 1-7): (ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الربّ يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه شعوب وتسير نحوه أُمم كثيرة. ويقولون هلمّ نصعد إلى جبل الربّ. فيقضى بين شعوب كثيرة .. وفي ذلك اليوم يقول الربّ أجمع الظالعة وأضمّ المطرودة والتي أضررت بها. وأجعل الظالعة بقية والمقصاة أُمة قوية. ويملك الربّ عليهم من الآن إلى الأبد).

فهذه بشارة بأن البيت الخاص بالربّ في آخر الزمان يكون مبنياً على قمم الجبال وهذه صفة جبل عرفة وطرق الحج إلى البيت الحرام بمكة والذي بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، خصوصاً وأنه أشار إلى قول الربّ "أجمع الظالعة وأضم المطرودة والتي أضررت بها والمقصاة يجعل من نسلها أُمّة قوية" وهذه الأوصاف لا تنطبق إلا على السيدة هاجر والتي أُقصيت هي وابنها إسماعيل إلى أرض الحجاز، ومن نسله جاءت أُمة الإسلام.

بشارة النبيّ حبقوق:

جاء في (الإصحاح الثالث: 3-6): (الله جاء من تيمان. والقدوس من جبل فاران. جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه. ومَلَكَ بيمينه رقاب الأُمم).

والنص في النسخة الإنجليزية، والأخرى المطبوعة في بيروت 1884م نرى النص كالآتي: (القُدوس من جبل فاران. لقد أضاءت السماء من بهاء مُحمّد وامتلأت الأرض من حمده. شعاع منظره مثل النور يحوط بلاده بعزة تسير المنايا أمامه وتصحب سباع الطير أجناده. قام فمسح الأرض فتضعضعتْ له الجبال الراسخة وتزعزعتْ ستور أهل مَدْيَن. ثم قال: زجركَ في الأنهار واحتدام صوتكَ في البحار يا مُحمّد. ادنو لقد رأتكَ الجبال فارتاعت).

وفي هذا إشارة إلى رسالة خاتم الأنبياء الذي بظهوره تمتلئ الأرض بالحمد والتسبيح، وسوف يأتي من نسل إسماعيل. (القدوس) من جبل فاران لأن ( فاران) هي أول أرض سكنها إسماعيل (تكوين 21/21) و(تيمان) هي أرض ابن إسماعيل ( تكوين 25/13) أوْ هي نسله.

بشارة ملاخي النبي: 

يُبشّر النبيّ ملاخي في (الإصحاح الثاني: 5) بعهد جديد، وقُرب قدوم النبيّ الذي تنتظره الأُمم، الذي سيردّ الناس إلى الحق، ويدلّ أهل الكتاب على دين أبيهم إبراهيم، ليجتمع أبناء إسماعيل وأبناء اسحق على دين واحد، وهو دين الأنبياء جميعا: (هاأنذا أُرسل إليكم النبيّ الموعود قبل مجيء يوم الربّ. اليوم العظيم المرعِب. فيردّ قلب الآباء على الأبناء. وقلب الأبناء على آبائهم. لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن).

بشارات النبيّ إرميا:

البشارة الأولى: خاطب الله النبيّ الخاتم على لسان إرميا في الإصحاح الأول فقال: (مِنْ قبل أن أصوّركَ في الرَّحِم عرّفتك. ومن قبل أن تخرج من البطن قدّستكَ. وجعلتكَ نبياً للأُمم. لأنكَ بكل ما آمركَ تصدع. وإلى كل من أرسلكَ تتوجّه. فأنا معكَ لخلاصك. يقول الربّ: وأفرغتُ كلامي في فمِكَ إفراغاً. فتأمل وانظر. فقد سلّطتك اليوم على الأُمَم والممالك الظالمة. لتنسف وتهدم وتتبر وتسحق. وتغرِس من رأيت). هذه البشارة شبيهة بنبوءات إشعياء وغيره: (إن الربّ أهابَ بي من بعيد، وذكر اسمي وأنا في الرحِم، وجعلَ لساني كالسيف الصارم).

البشارة الثانية: قال إرميا في الإصحاح التاسع عشر مُخبِراً عن الله عزّ وجل أنه قال: (إني جاعلُ بعد تلك الأيام شريعتي في أفواههم، وأكتبها في قلوبهم، فأكونُ لهم إلهاً، ويكونون لي عباداً، ولا يحتاج الرجل أن يعلّم أخاه وقريبه الدين والملّة، ولا إلى أن يقول له اعرف الربّ، لأنّ جميعهم يعرفونه صغارهم وكبارهم، وأنا أغفر لذلك ذنوبهم، ولا أُذكّرهم بخطاياهم).

وفيها إشارة إلى كرامة أُمة مُحمّد، وتشريفها بالقرآن، واصطفائها، وخيريتها الباقية.

البشارة الثالثة: أشار إرميا في الفصل الثاني والثلاثين- إلى خطاب من الله تعالى للنبيّ الخاتم: (اعدّوا لي آلات الحرب. فإنّي أُبدّد بكَ الشعوب. وأُبدّد بكَ الخيل وفرسانها وأُبدّد بكَ الولاة الطغاة. وأُجازي بابل وجميع سكان بلاد الكلدانيين بجميع أوزارهم التي ارتكبوها. هذا قول الربّ). وقد حمل هذا النص وعيداً شديداً من الله للأُمة الفارسية الكسروية وغيرها من الممالك الظالمة، وقد تحقق فعلاً، وأقامه الله شاهداً من شواهد التاريخ.

دانيال يتنبأ بزمان الملكوت:

يمتاز (سِفْر النبيّ دانيال) باشتماله على بشارات صريحة بختم النبوة وظهور الرسالة الأبدية، واشتمال نبوءته على أرقام وتواريخ محدّدة، عن طريقها عرف الأحبار والرهبان زمن مجيء نبيّ آخر الزمان، وحددوا موعد ظهور أُمّة الملكوت.

ومن ذلك أن (بختنصر) رأى رؤيا أفزعته ولم يعرف العرّافون ولا المنجّمون تعبيرها، ففسّرها له النبيّ دانيال ( 2عدد 31-45) فقال: (أنتَ أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم. هذا التمثال العظيم البهيّ جداً وقف قبالتك ومنظره هائل. رأس هذا التمثال من ذهب خالص. وصدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس. ساقاه من حديد. قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف.

كنتَ تنظر إليه إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً. وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أمّا الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها. هذا هو الحلم. فنخبر بتعبيره قدام الملك.

أنت أيها الملك ملك الملوك. لأن إله السماوات أعطاك مملكةً واقتداراً وسلطاناً وفخراً. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء … فأنت هذا الرأس من ذهب. وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك. ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلّط على كل الأرض. وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد. لأن الحديد يسحق كل شيء. وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء. وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد. فالمملكة تكون منقسمة. ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين. وأصابع القدمين بعضها من حديد. والبعض من خزف. فبعض المملكة يكون قوياً والبعض يكون قصماً. وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لنْ تنقرض أبداً. وملكها لا يُترك لشعب آخر. وتسحق وتفني كل هذه الممالك. وهي تثبت إلى الأبد. لأنك رأيت أنه قد قُطِع حجر من جبل لا بيدين. فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرّف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحُلْم حق وتعبيره يقين).

فالحُلْم كما يظهر هو عن الممالك التي ستقوم بين يدي نبيّ الملكوت، فأولها مملكة بابل التي رأسها بختنصر، والتي رمز لها في الحُلم بالرأس. ثم مملكة فارس التي أقامها خسرو، وتسلّط ملكها قورش على بابل سنة (593ق.م) ورمز لها في المنام بالصدر والذراعين. ثم تلتها مملكة مقدونية والتي قضت على مملكة الفرس، وقادها الإسكندر المقدوني (336 ق.م) ورمز لها في المنام بالبطن والفخذين من النحاس. ثم تلتها إمبراطورية الرومان والتي أسّسها الإمبراطور بوفبيوس (63 ق.م) ورمز لها في المنام بساقين من حديد وقدمين إحداهما من خزف وأخرى من حديد، ولعله أراد دولتي فارس والروم أوْ انقسام الإمبراطورية الرومانية.

"وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكةً لنْ تنقرض أبداً" فقد جاء (الحَجَر الذي رذله البناءون) وقد قُطِعَ بغير يدين، إذْ جاء من السماء وسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب، وصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها، وأقام الملكوت الموعود. وفي ذلك إشارة إلى منشئه في القفر بين الجبال. وقد استولت أُمته على ما مَلَكَ بختنصر والفرس واليونان والرومان، ولا تزال جميع أراضي هذه الممالك في أيدي أُمته إلى اليوم رغماً عن ضعفها المؤقت، وهي التي أفنتْ الدولة الرومانية، واستولت على القسطنطينية، عاصمة مُلكها.

وإنْ خالف النصارى ذلك فليخبرونا، هل يعقل أن "دانيال" يتكلم عن هذه الممالك الأربعة (بابل، والفرس، واليونان، والرومان) ويترك المملكة الإسلامية التي سحقت كل هذه الممالك واستولت على جميع أملاكها إلى اليوم؟! فهل غاب ذلك عن عِلْم الله أوْ حدث بغير إرادته أو نسِي أن يذكره؟! مع أنه هو الذي أقامها بنفسه كما قال دانيال، وقضى أنها تفني كل هذه الممالك وأن تثبت إلى الأبد .. فمازال الإسلام نفسه من أقوى الأديان في الأرض، وإنه أشدّ أخذاً بقلوب أتباعه من كل دين سواه، وأسهل انتشاراً وأسرع كما يشهد بذلك أهل الديانات الأخرى، ولا توجد أُمة أشد تمسكاً بدينها من المسلمين.

ومن حسن التطابق بين النبوات بعضها مع بعض أن "داود" و"المسيح" سمّيا (مُحمّداً) حجراً رمزاً للصلابة والقوة. (متى 21-42) و(مزمور 118 عدد 20).

جدير بالذكر، أن هذه الرؤيا تُوصَف دائماً بأنها أشهر وأصدق الرؤى الكتابية التاريخية، وتأويلها لا يحتاج إلى ذكاء ولا يصح فيه الخلاف؛ لأنّ النبيّ نفسه قد أوّلها، ولكن أهل الكتابتعمّدوا التلبيس وافتعلوا الاختلاف حولها .. مع أنه لم يكن أحد من أهل الكتاب القدامى يشك في هذا إطلاقاً، بلْ كانوا -لشدة إيمانهم به- ينتظرون المملكة الخامسة (مملكة الله) التي تدمّر ممالك الشرك والكفر والظلم، لاسيما المملكة الرابعة التي اضطهدتهم، فهي التي أذاقت اليهود الخسف والهوان ودمّرت القدس سنة (70م) ونُصِبت الأصنام في المسجد، كما اشتهر عدد من أباطرتها بتعذيب النصارى بألوان من الفظاعة قلَّ نظيرها في التاريخ، وليس نيرون Nero الطاغية المشهور إلا واحداً منهم، وظلوا مضطهدين لهم ثلاثة قرون حتى اعتنق قسطنطين النصرانية، واستمر الاضطهاد لليهود والموحّدين من النصارى وسائر الفرق المخالفة.

في ذلك الجو القاتم من الاضطهاد كان أهل الكتاب ينتظرون "المملكة الخامسة" بفارغ الصبر، وكانوا يعلمون يقيناً أنها ستقوم على يد نبيّ آخر الزمان، المُسمّى عندهم (أركون السلام) الذي على كتفه خاتم النبوة، والذي بشَّر به الأنبياء كلهم، وكانوا يعرفون زمن بعثته بكثير من الدلائل النصّية، والعلامات الكونية، ويترقبون تلك الدلائل والعلامات حتى جاء اليوم الذي قال فيه الإمبراطور المتعبّد العالِم بدينهم هرقل: "قد ظهر مَلِك أُمة الخِتان" وأيقن بذلك وشهِد أمام رأس الكفر أبي سفيان (بأنّ مُلْكَه سيبلغ موضع قدميَّ) كما ثبت في الرواية.

وفعلاً! قامت المملكة الربانية الخامسة، وملكت موضع قدمي هرقل Hercules وغادر الشام وهو يقول: "سلام عليكِ يا سورية، سلام لا لقاء بعده"!

قامت فسحقت ممالك الوثنية، وسيطرت على معظم المعمورة بالعدل والسلام، ودخل تحت لوائها من كل شعوب الأرض طوائف عظيمة، وهنا فقط! تفرّق أهل الكتاب واختلفوا. (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:4].

وقريباً من رؤيا بختنصر رأى دانيال رؤيا الحيوانات الأربع، قال: (كنتُ أرى في رؤياي ليلاً. وإذا بأربع. رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك. الأول كالأسد .. وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب .. وإذا بآخر مثل النمر .. وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جداً. وله أسنان من حديد كبيرة. أكل وسحق وداس الباقي برجليه. وكان مخالفاً لكل الحيوانات التي قبله وله عشرة قرون…

كنتُ أرى في رؤى الليل. وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى. وجاء إلى القديم من الأيام، فقربوه قدامه. فأُعطِي سلطاناً ومجداً وملكوتاً. لتتعبّد له كل الشعوب والأُمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي لن يزول. وملكوته لا ينقرض". (دانيال 7/3-18).

ويوافق النصارى على أن الممالك الأربعة هي البابلية ثم الفارسية ثم اليونانية ثم الرومانية، ويزعمون أن الملكوت متحققاً في ظهور دين المسيح وتأسيس الكنيسة في يوم الخمسين عندما نزل الروح القدس على التلاميذ المجتمعين في أورشليم.

لكن المملكة الروحية التي أسّسها الحواريون لا يمكن أن تكون الملكوت الموعود، لأن دانيال يتحدث عن أربع ممالك حقيقية، سحق آخرها ملك حقيقي، لا روحي. "وفي أيام هؤلاء الملوك يُقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك" (دانيال 2/44).

وقال عن المملكة ونبيها: "لتتعبّد له كلّ الشعوب والأُمَم والألسنة" (دانيال 7/14).
وقد سأل الحواريون السيد المسيح عن المملكة القادمة وهم يظنون أنها تقوم على يديه: "هل في هذا الوقت تردّ المُلك إلى إسرائيل؟" (أعمال 1/6) وقد اجتهد المسيح في إفهامهم أن مملكته روحية (دعْ ما لقيصر لقيصر. وما لله لله)! بينما المملكة القادمة مملكة حقيقية.

ثم إنّ مملكة التلاميذ لم تقهر الدولة الرومانية، بلْ إنّ الرومان قهروا المسيحية بعد حين، حين أدخلوا وثنياتهم فيها. وكيف للنصارى أن يقولوا بقهر الرومان، وهم يزعمون أن المسيح صُلِبَ على أعواد صليب روماني!

أمّا المسلمون فهم الذين قضوا على الدولة الرومانية واقتلعوها من أرض فلسطين، ثم بقية بلاد الشام ومصر، ثم أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة للإسلام دين الملكوت.

بشارة دانيال بالمسّيّا الرئيس

وهي بشارة طويلة ومشهورة جداً، نذكر منها هذه الفقرة: بعد أن أتم دانيال صلاته ودعاءه، جاءه الملاك جبريل، وقال له: "يا دنيال .. إنّي خرجتُ الآن لأعلّمكَ الفهم. في ابتداء تضرّعاتك خرج الأمر. وأنا جئتُ لأخبرك لأنكَ أنت محبوب. فتأمل الكلام وافهم الرؤيا: سبعون أسبوعاً قُضيت على شعبك وعلى مدينتك لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسّيّا الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً …".

وإذا رجعنا إلى حساب الأسابيع بالتقويم اليهودي، نجد أن هذه البشارة كانت تحدد موعد بعثة النبيّ الخاتم؛ لذلك كان الأحبار يعرفون بالضبط الليلة واليوم والشهر الذي سيولَد فيه (المسّيّا الرئيس)! وقد ذهب علماؤهم إلى أهل مكة يسألونهم: هل ولِدَ فيكم الليلة مولود؟!

بشارات النبيّ إشعيا

يحتوي (سِفْر النبيّ إشعيا) على ما يزيد عن أربعين بشارة بالنبيّ الأُميّ الخاتم، وقد أشار بعضها إلى مولده، ومهاجره، وأصحابه، وغزواته، وانتصاراته، ومنها ما يتحدث عن (مكة المكرمة) ومشهد الحجيج فيها، وما إلى ذلك من التفاصيل التي لا تنطبق على أحد سوى (النبوة الخاتمة) ونظراً لكثرتها، فإننا سنكتفي –فقط- بالإشارة إلى بعض منها:

ففي "الإصحاح السادس عشر" يبشّر بالرسالة الخاتمة التي ستحلّ بأرض العرب: (لتفرح أهل البادية العطشى. ولتبتهج البراري والفلوات. ولتخرج نوراً كنور الشلبذ .. لأنها ستُعطى بأحمد محاسن لبنان. وكمثل الدساكر والرياض. وسيرون جلال الله عزّ وجل وبهاء إلهنا).

وتتكرر هذه البشارة في "الإصحاح التاسع عشر": (هتف هاتف في البدو وقال: خلّوا الطريق للربّ. وسهّلوا لإلهنا السبيل في القفر. فستمتلئ الأودية كلها مياهاً. وتنخفض الجبال انخفاضاً. وتصير الآكام دكّاً دكّاً. والأرض الوعرة ملساء. وتظهر كرامة الربّ. ويراه كل أحد. من أجل أن الربّ يقول ذلك).

وتتأكد هذه البركة في "الإصحاح العشرين": (إن المساكين والضعفاء يستسقون ماء ولا ماء لهم. فقد جفّت ألسنتهم من الظمأ. وأنا الربّ أُجيب حينئذ دعوتهم. ولن أُهملهم بل أُفجّر لهم في الجبال الأنهار وأُجري بين القفار العيون. وأُحدِث في البدو آجاماً. وأُجرِي في الأرض ماءً معيناً. وأُنبِت في القفار البلاقع الصنوبر والآس والزيتون. وأغرس في القاع الصفصف والسرو البهية، ليروها جميعاً. وليعلموا ويتدبّروا ثم يفهموا معاً أن يد الله فعلت ذلك).

ويخاطب (أُم القُرى) في "الإصحاح الثامن والعشرين" فيقول: (أيتها المنغمسة المتغلغلة في الهموم التي لم تنل حظوة ولا سلوا. أنا جاعل حجرك بلوراً .. وسيعرفني هنالك جميع ولدك ولا ينكرونني. وأعلّم أبناءك بالسلم. وتكونين مزينةً بالصلاح والبر. فتنحّي عن الأذى والمكاره. لأنكِ آمنةً منها. والانكسار والانخذال لن يقرباكِ. ومن انبعث من بين يدي فإليكِ يكون وفيكِ حلوله. وتصيرين أمناً وملجأً لقاطنيكِ وساكنيكِ).

ونجد (الإصحاح السادس والعشرون) يخاطب "مكة" والسيدة "هاجر" معاً ويبشّرهما: (سبّحي أيتها النزور الرقوب. واغتبطي بالحمد أيتها العاقر. فقد زاد ولد الفارغة المجفية على ولد المشغولة الحظية. وقال لها الربّ أوسعي مواضع خيامك. ومدّي ستور مضاربك. لأنكِ لا تنفسي ولا تضني. بلْ طوّلي أطنابك. واستوثقي من أوتادك. من أجل أنكِ تتبسطين وتنتشرين في الأرض يميناً وشمالاً. وترث ذريتكِ الأُمم. ويسكنون القرى المعطّلة اليباب).

وأشار (الإصحاح الثاني والأربعين) إلى مساكن العرب وهم ذرية قِيدار أبناء إسماعيل، والتصريح بذكر جبال "سالع" بالمدينة المنورة: (لترفع البريّة ومدنها صوتها. والديار التي سكنها قِيدار. ولتترنّم سالع من رؤوس الجبال. ليهتفوا ليعطوا مجداً. ويخبروا بتسبيحه في الجزائر الربّ كالجبار. يخرج كرجل حروب ينهض غيرته. يهتف ويصرخ على أعدائه).

ورمز في (الإصحاح 54) إلى مكّة بالعاقر لأنها لم يظهر فيها أنبياء من قبل، وذلك بخلاف أورشليم: (سبّحي أيتها العاقر التي لم تلد. انشدي بالحمد وهَلّلي. لأن بني المستوحشة أفضل من بني ذات البعل. وسيرث نسلكِ أُمَماً كثيرة ويعمروا مُدناً خربة. يقول الربّ).

وفي (الإصحاح الثامن والعشرين) يُقْسِم الله سبحانه بكتابه الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل، فيقول: (إني أقسمتُ بنفسي وأخرجتُ من فمي كلمة الحق التي لا خلف لها ولا تبديل. وإنه تخرّ لي كلّ ركبة. ويقسم بي كل لسان. ويقولون معاً: إنّ النعمة من عند الربّ).

و(الإصحاح الأول) يبشّر بنيّ الرحمة: (اسمعي يا سماوات. وقرّي يا أرض. ولماذا تقلقي؟ سيُبعثُ عليكِ نبيّ به تُرحمي). وهذه النبوة توافق نبوة المزامير: (سيُبعث لكم نبيّ الرحمة).

وخاطبه ربه في (الإصحاح الرابع والعشرين) بقوله: (إنّي جعلتُ اسمكَ مُحمّداً. فانظر من محالك ومساكنك يا مُحمّد يا قدوس. واسمك موجود منذ الأبد).

ويشير (الإصحاح 29) إلى أُميّته، ومشهد نزول الوحي عليه في الغار، فيقول: (ويُدفَع الكتابلمن لا يعرف الكتابة ويقال لهُ اقرأ هذا. فيقول لا أعرف الكتابة).

كما يتنبأ بمهبط الوحي، وحادث الهجرة الشهير: (وحيٌ من جهة بلاد العرب: في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين. هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء. فإنهم من أمام السيف المسلول قد هربوا. فإنه هكذا قال لي السيد الربّ: في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار. لأن الربّ تكلم). (اشعياء 21/13). وهنا تقول ترجمة (كتاب الحياة) المطبوع مع التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، إنها "نبوءة بشأن شبه الجزيرة العربية". أو مكان مهبط للوحي سيكون ببلاد العرب" كما في الترجمة العالمية الجديدة الصادرة عن جمعية الكتاب المقدس العالميةNew International Version.

وفي (الإصحاح الخامس) يشير إلى خاتم النبوة وشارة المُلْك: (إنه سيولد لنا مولود. وسيوهب لنا ابناً سلطانه على كتفه). هذا النص عن الترجمة السريانية، أما ترجمته عن اللغة العبرية فهو: (إنّ على كتفه علامة النبوة).

وفي (الإصحاح الثاني والأربعين) يشير إلى عالمية رسالته: (إنّ عبدي المُجْتبى عندي. وحبيبي الذي اخترته وأرسلته إلى الأُمم بأحكام صادقة).

وفي (الإصحاح الثامن والعشرين) يتحدث عن مهمة هذا النبيّ صاحب الرسالة العالمية: (إنّي أقمتكَ شاهداً للشعوب. ومدبّراً وسلطاناً للأُمم. لتدعو الأُمم الذين لم تعرفهم. وتأتيكَ الأُمم الذين لم يعرفوك هرولة وسِراعاً. فاطلبوا ما عند الربّ. فإذا عرفتموه فاستجيبوا له. وإذا قرب منكم فليرجع المخطئ عن خطيئته. والفاجر عن سبيله. وليرجع إليّ لأرحمه. وليُنِب إلى إلهنا الذي عمّت رحمته وفضله).

ويشير (الإصحاح التاسع عشر) إلى انتصار هذا النبيّ على أعدائه، وتمكين الله لشريعته: (من الذي نبّه البر من المشرق. ودعاه إلى موطئ قدمه ليسلم إليه الأُمم. ويذهل عنه الملوك. ويجعل سيوفه كعدد الثرى .. وقُسيّه مثل الحزم المنثورة. فهو يغلبهم ويضرب وجوههم. ثم يُحدِث سِلْماً. ولا يطأ برجله سِفراً).

ويؤكد على ظهور الإسلام، ونصرة نبيّه، الذي يميّزه "خاتَم النبوة" بين كتفيه: (الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً. الجالسون في ظلال الموت أشرق عليهم نور. أكثرت الأُمة. عظم لها الفرح. يفرحون كالفرح في الحصاد. كالذين يبتهجون عندما يقتسمون غنيمة. لأنه يولد لنا ولد ونُعطَى ابناً وتكون الرياسة على كتفه. ويُدْعَى اسمه عجيباً أباً أبدياً رئيس السلام الذي لا نهاية له. يجلس على كرسيّ داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضّدها بالحق والبر من الآن فصاعداً. غيرة ربّ الجنود تصنع هذا) (إشعيا 9: 6 – 7).

ويذكر (الإصحاح 42) بعضاً من صفات النبيّ الخاتم، فيقول: (هو ذا عبدي الذي أعضّده مختاري الذي سُرّت به نفسي. وضعتُ روحي عليه فيُخرِج الحق للأُمم. لا يصيح ولا يُسمَع في الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يُقصَف وفتيلة خامدة لا يُطفأ. إلى الأمان يخرج الحق. لا يَكِلّ ولا يَنكَسِر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الدنيا شريعته. هكذا يقول الله الربّ خالق السموات وناشرها. باسط الأرض وواضعها. أنا الربّ قد دعوتك بالبر. فأمسك بيدكَ وأحفظكَ وأجعلكَ عهداً للشعوب ونوراً للأُمم لتفتح عيون العمي وتخرج من الحبس المأسورين في السجن والجالسين في الظلمة. أنا الربّ هذا اسمي ومجدي لا أُعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات. هو ذا الأوليات قد أتتْ والغيبيات أنا مُخبِر بها. قبل أن تنبت أعلمكم بها. لترفع البرية ومدنها صوتها والديار التي سكنها قيدار. لتترنّم سكان سالع. من رؤوس الجبال ليهتفوا. ليعطوا للربّ مجداً ويعلنوا تسبيحه …).

وجاء كلام على لسان النبيّ الخاتم نفسه في (الإصحاح الثالث والعشرين) فقال: (اسمعي أيتها الشعوب. وتفهّمي أيتها الأُمم. إنّ الربّ أهاب بي من بعيد. وذكر اسمي وأنا في الرحِم. جعل لساني كالسيف الصارم وأنا في البطن. وأحاطني بظل يمينه. وجعلني في كنانته كالسهم المختار وخزنة لسرّه. وقال لي: إنكَ عبدي. فصرفي وعدلي قدام الربّ حقاً. وأعمالي بين يدي إلهي. وصِرتُ مُحمّداً عند الربّ. وبإلهي حولي وقوتي).

وفي (الإصحاح الثالث) يشير إلى الأذان والحج والعُمرة والتلبية: (إني رافع آية للأُمم. من بلد بعيد. وأصفر لهم من أقاصي الأرض صفيراً. فيأتون سراعاً عجالاً. ولا يميلون ولا يتعثرون ولا ينامون ولا يحلّون مناطقهم. ولا ينقطع معقد خفافهم. سهامهم مسنونة. وقُسيّهم موترة. وحوافر خيلهم كالجلاميد صلابة. وزئيرهم كنهيم الليوث. وكشبل الأسد ..).

وجاء الحديث عن "مكة" و"الكعبة": (أنا رسمتكِ على كفي وسيأتيكِ أولادكِ سِراعاً ويخرج عنكِ من أراد أن يُخيفَكِ ويخونكِ. فارفعي بصركِ إلى ما حولكِ فإنهم سيأتونكِ ويجتمعون إليكِ فتسمّي باسمي إني أنا الحي لتلبسي الحُلَل وتزيّني بالإكليل مثل العروس. ولتضيقنّ طرقاتكِ من كثرة سكانكِ والداعين فيكِ. وليهابنّ كل من يناوئكِ. وليكثرنّ أولادكِ حتى تقولي من رزقني كل هؤلاء وأنا وحيدة فريدة رقوب. فمن ربّى لي هؤلاء ومن تكفّل لي بهم).

وفي (الإصحاح العاشر) نجد البشارة التي جمعت بين (مُحمّد) راكب الجمل، وأخيه (المسيح) راكب الحمار. فراكب الجمل يقول لصاحبه: أنا قضيتُ على عبادة الأصنام، وأخمدتُ نار فارس (هكذا يقول الربّ إنكَ تأتي من جهة التيمُّن. من بلد بعيد، ومن أرض البادية مُسرِعاً. مقداً مثل الزعازع من الرياح … ليُخبِر بما يرى. فكان الذي رأى راكبيْن: أحدهما راكب حمار. والآخر راكب جمل .. فبينما أنا كذلك سمعتُ راكب الجمل يقول لراكب الحمار: زالتْ الأصنام. وهوتْ بابل وتكسرتْ جميع آلهتها المنجورة على الأرض. فهذا الذي سمعتُ من الربّ إله إسرائيل العزيز قد أنبأتكم).

نكتفي بهذا القدر من بشارات العهد القديم، وهي واضحة كالشمس في ضحاها، والقمر إذا تلاها، فكلها تُبشّر بقدوم (نبيّ آخر الزمان) ومكان بعثته، وعالمية رسالته، وكيف يغيّر وجه الأرض، ويقود الناس إلى دين الحنيفية السمحة، وأن الله سيمكّن لدعوته، وسينصره على أعدائه، لتصبح كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العُليا.

(المَسِيح) يُبَشِّر بـ(المسّيَّا)
منذ ما يزيد على ألفي عام، قام السيّد المسيح –عليه السلام- فأعلن نبَأً عَظِيماً، وألقى بياناً خالداً، وأذّن أذاناً سمعه من كان معه وحوله من بني إسرائيل، فحفظوه، وأوصوا به أتباعهم، وقد ظلّ هذا الأذان شاهداً وباقياً في الأناجيل التي بأيدي المسيحيين إلى يومنا هذا، وسواء قَبِلوه أوْ رفضوه فهذا شأنهم، لكننا من منطلق الأخوة الإنسانية، فإننا سنذكّرهم به لنقيم الحُجّة عليهم والبرهان، وشأن العقلاء في كل زمان ومكان أن ينصتوا لمن ناداهم، ثم يفكروا فيما سمعوه مرة تلو الأخرى، قاصدين طريق الحق، ولا شيء سواه.

لقد أذّنَ المسيح (ع) أذاناً مدوياً، مُخبِراً عن ]النَّبَأِ العَظِيمِ[ الذي سيطرق العالم ويزلزله من أقصاه إلى أقصاه، فبشّر الناس بقُرب قدوم أخيه في النبوّة، وأَوْلَى الناس به في الدنيا والآخرة، ووصفه بأوصاف عديدة يصدّق بعضها بعضاً، ونعته بألقاب كثيرة، منها: أنه (المعزّي) وأنه (المُعِين) وأنه (المسيّا) المنتظر، وأنه (أركون العالم) وأنه (روح الحق) وأنه (البارقليط) الذي لا يتكلم من قِبَل نفسه؛ إنما يتكلم بما يقوله له الربّ، وأنه يخبر الناس بكل ما أعدّ الله لهم، ويسوسهم بالحق، ويخبرهم بالغيوب، ويجيئهم بالتأويل، ويُوبّخ العالَم على الخطيئة، ويخلّصهم من يد الشيطان، وتستمر شريعته وسلطانه إلى آخر الدهر، وصرّح المسيح (ع) في أذانه باسمه ونعْتِهِ وسيرتهِ حتى كأنهم ينظرون إليه عياناً ثم قال: "من كان له أُذنان فليسمع". ورغّبهم في الـ(مبارك الآتي باسم الله) لأنه هو الذي سيعرف قدره ومكانته، وسيمجّده، وسينفي عنه ما ينسِِبونه إليه، وما يُنسَب إلى أُمه الطاهرة البتول من النقص والعيب والذم والإفك والبهتان .. فسلامٌ عليه من ناصِح أمين، ونبيّ كريم!

وبالرغم من أن الأناجيل كُتِبتْ بعد أكثر من قرن من حياة المسيح، وتعرضت خلال رحلتها وترجماتها لكثير من التحريف والتغيير والحذف والإضافة -كما يشهد بذلك جميع فلاسفة المسيحية وآباء الكنيسة- فها هو الكتاب المقدس طبعة "الآباء اليسوعيين 1989 يتكلم في "مدخل إلى العهد الجديد" عن سبب الفوارق الكثيرة جداً بين مخطوطات العهد الجديد فيقول: " .. واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير، فإن نص العهد الجديد قد نُسِخ ثم نُسِخ طوال قرون كثيرة بيد نسّاخ صلاحهم للعمل متفاوت، يضاف إلى ذلك أن النسّاخ حاولوا أحياناً عن حسن نية، أن يصوّبوا ما جاء في مثالهم وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات تكاد أن تكون كلها خطأ"!

أمّا ما لم يذكره هذا "المدخل إلى العهد الجديد" وذكرته دائرة المعارف الأمريكية في باب (P.695 – 699 Bible:) أن "هذه الأخطاء نتيجة أننا ليس لدينا أيّ من النسخ الأقدم. كما أن هناك أخطاء (اختلافات) متعمّدة أدخلها الناسخ أو صاحب المخطوطة من قِبله. أما الأخطاء النسخية والتي أحصاها بعض العلماء فكانت 30/000 وذلك في أول القرن الـ 18

ويقول الأب عبد الأحد الآشوري: "إن الأناجيل الأربعة ليست من تأليف المسيح ذاته، ولم توجد في زمانه، بلْ وجِدت بعد وفاة الحواريين بزمن طويل، وأنها وصلت إلينا بحالة محرفة، وقد لعبت فيها الأقلام كثيراً".

بلْ انظر إلى الإنجيل المنسوب إلى مرقص وهو أقدم الأناجيل -بحسب اتفاق علماء اللاهوت- نقرأ فيه قصة قيامة المسيح، وهي رواية ملفّقة، مع أنها من أهم الروايات في الأناجيل! لأنها أحد أركان العقيدة المسيحية. وقد حُذِفتْ في معظم النسخ الحديثة للأناجيل! يقول عنها بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (إصحاح 15 فقرة: 14): "وإنْ لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم".

والأدلة من داخل كتبهم تُبيّن أن الكَتَبَة لم يكتبوا عن طريق وحي أوْ إلهام إلهي، فمثلاً في بداية الإنجيل المنسوب إلى (لوقا إصحاح 1-4:1) يقول: "إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا. كما سلّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة. رأيتُ أنا أيضاً أن أتتبع كل شيء من الأول وأنْ أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس. لتعرف صحة الكلام الذي علّمت به".

فلمْ يقل إنه يكتب لأنه أُوحِي إليه، بلْ اقترح من نفسه. ولم يكتب هذه الرسالة للناس -التي سُمّيت فيما بعد إنجيلاً- بلْ كتبها إلى صديقه "ثاوفيلس". فعلى أيّ أساس سُمّي لوقا وحياً؟!

أقول: بالرغم من ذلك كله، فإننا سنذكر بعض ما تبقّى فيها من بشارات بـ(خاتم الأنبياء) الذي تواترت الإرهاصات والشواهد على قرب مجيئه، كما كانت هناك دلائل ومقدمات كثيرة تؤكد اقتراب انتزاع النبوة والملكوت وزوال البركة من بني إسرائيل، وانتقالها إلى أُمّةٍ أُخرى غيرهم، بسبب تمردهم على وحي السماء، وقتلهم الأنبياء .. وقد أخبر المسيح بذلك مراراً، منها: أنه لما جاء إلى أورشليم، نادى عليها: "يا قاتلة الأنبياء" (متى 13/37). ثم يصف المسيح طبائع اليهود وعنادهم: (ففيهِم تَتِمٌّ نُبوءةُ إشَعْيا: "مَهما سَمِعتُم لا تَفهَمونَ، ومَهما نَظَرْتُم لا تُبصِرونَ. لأنَّ هذا الشَّعبَ تحَجَّرَ قلبُهُ، فسَدٌّوا آذانَهُم وأغْمَضوا عُيونَهُم، لِـئلاَّ يُبصِروا بِعُيونِهِم ويَسمَعوا بآذانِهِم ويَفهَموا بِقُلوبِهِم ويَتوبوا فأَشفيَهُم". (متى14 -16).

وخاطب جموعهم، بقوله: "ويلٌ لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون. ويلٌ لكم أيها القادة العميان. أيها الجُهّال والعُميان.أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم، لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم. يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين..."متى (23/13 - 37).

وبعد .. فهل هذه أُمّة تستحق بقاء البركة والملكوت فيها؟! وهل هذه "الخِراف الضالة" جديرة –بعد ذلك- بأن تبقى فيها النبوة والرسالة؟! أمْ أنه كان لابد من تغيير اتجاه البوصلة، وانتقاء سلالة أشرف من "الحيّات وأولاد الأفاعي" لحمل تَبِعات النبوّة وتعاليم السماء؟

وإنّ ما تبقّى في كتبهم من بشارات يؤيد مقولة القرآن الكريم ..]الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ …[ [الأعراف :157]. وتصديقاً لمقولة المسيح "ما من مستور إلا سينكشِف ولا من مكتوم إلا سيُعلَم" (متى 10: 26).

بشارات إنجيل متى:

البشارة الأولى: ذكر متى في الإصحاح الثالث مخبراً عن يوحنا المعمدان –يحيى عليه السلام– أنه قال: (أنا أُعمّدكم بالماء –وذلك للتوبة وغفران الخطايا– ولكن هناك شخص قادم بعدي وهو أقوى مني، لدرجة أنني لا أستحق حلّ سيور حذائه، وسيعمّدكم بالروح والنار). هذه البشارة تذكر صفة النبيّ القادم المنتظَر، ومُحال أن يكون هو المسيح، بدليل أنه وصفه بأنه أقوى منه! ولأنهما كانا معاً في زمان واحد. بلْ إن الأناجيل ذاتها تؤكد أن (يوحنا المعمدان) كان أعلى منزلة من (يسوع) وأنه قام بتعميده في نهر الأردن! وفي الإنجيل لمتاؤوش: أن عيسى قال: "لم تلد النساء مثل يحيى". فضلاً عن اعتقاد النصارى بأن المسيح إله، أو ابن الله! وليس نبيّاً. كما هدّد (يحيى) اليهود بمجيء هذا النبيّ القوي وصاحب النفوذ والصولجان، بقوله: (من الذي أخبركم أن تهربوا من الغضب الآتي)؟ أيضاً، نجد أن أتباع (يوحنا المعمدان) كانوا يعرفون حق المعرفة أن (يسوع الناصري) ليس هو النبيّ المنتظَر، لذلك اعتنقوا الإسلام، واتبعوا (مُحمّداً) فور بعثته.

البشارة الثانية: قال متى في الإصحاح الخامس مخبراً عن المسيح أنه قال: (الحق أقولُ لكم إلى أن تزول السماء والأرض، ولا يزول حرف واحد أوْ نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل). وفي هذا النص إشارة إلى وجوب العمل بالتوراة والإنجيل إلى زمن محدد، وهو مجيء الكل، فإذا جاء الكل –وهو القرآن الكريم– بطل العمل بهما، وحان نسخهما، وأذِنَ الله بزوالهما. والمراد بالزوال هنا زوال الحُكم لا زوال الوجود.

البشارة الثالثة: قال متى في الإصحاح الحادي عشر: (وإنْ أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي). أيْ إذا أردتم أن تتبعوا فاتبعوا (أحمـد) الذي سيُبعث، وشدّد عليهم في حفظ هذه الوصية والتمسك بها، فقال: "من له أُذنان للسمع فليسمع". وهذه البشارة مماثلة وشاهدة ومصدّقة لنبوءة ملاخي.

البشارة الرابعة: روى متّى في (الإصحاح السابع عشر) ذلك الحوار الذي دار بين المسيح عليه السلام وتلامذته وهو: (قولهم: لماذا يقول الكتبة: إن إيلياء ينبغي أن يأتي أولاً؟ فأجاب وقال لهم: إن إيلياء يأتي أولاً ويردّ كل شيء). ولا يمكن أن تنسحب هذه البشارة على (يحيى) لأنه ليس له شريعة ولا كتاب خاص به!

البشارة الخامسة: في الإصحاح العشرين أخبر عن المسيح أنه قال: (أمَا قرأتم قط في الكتب: أن الحجر الذي رذله البناءون، هذا صار رأساً للزاوية من قِبَل الربّ، كان هذا عجيب في أعيننا، من أجل هذا أقول لكم: إن ملكوت الله سيُنزع منكم، ويُعطى لأُمةٍ أخرى تصنع ثمرته، ومن سقط على هذا الحجر يترضّض، ومن يسقط عليه يطحنه).

وحجر الزاوية المتمّم للبناء، الذي أشار إليه المسيح، هو (مُحمّد) موضع (اللّبِنة) المتمّمة للبناء (البيت) الذي أقامه (الأنبياء) السابقون. "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجلٍ بنى بيتاً فحسنه وأجمله إلا موضع لبِنة في زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلاّ وُضِعَتْ هذه اللبِنة؟ قال فأنا اللّبِنة وأنا خاتم النبيين".

وأنه مبعوث من قِبَل الربّ حقاً وصِدقاً. وعجيب في الأعين، لأنه من خارج بيت إسرائيل الذي شهِد مولد ومبعث مئات الأنبياء. وعند مجيء (حجر الزاوية) سيُنْزَع ملكوت الله من بني إسرائيل، ويذهب إلى أُمّة أُخرى، تُقدّر هذه البركة وتشكر على نعمة النبوة والهداية. واحتوى النص على تحذير شديد من مخالفة هذا النبيّ المنتظَر(من يخالفه سيترضّض .. وسيطحنه).

وعلى الرغم من تنبيه السيد المسيح في أكثر من موضع بأن الملكوت (النبوّة) سينتقل من بني إسرائيل إلى أُمة أخرى، إلا أن النصارى مازالوا يبتهلون ويردّدون في كنائسهم إلى اليوم قائلين: (آتنا الملكوت)! وقد نسوا –أوْ تناسوا- أن الملكوت أشرق على الدنيا وزلزل أركانها، وعمّ نوره منذ ما يزيد على 14 قرناً من الزمان! وانتقلت (النبوّة) من نسل إسرائيل إلى نسل إسماعيل، وانتُزِعَ المجد والشرف من الأُمة العبريّة إلى الأُمّة العربيّة، وتحولت عاصمة (الوحي) من أُورشليم وبيت المقدس إلى مكة المكرمة والبيت الحرام!

بشارات إنجيل يوحنا:

البشارة الأولى: لما ابتدأ يوحنا المعمدان (يحيى) يعمّد الناس في نهر الأردن، وكان ذلك في زمن المسيح عليه السلام، تصدّى له أحبار اليهود، وسألوه سؤالاً كما جاء في الإصحاح الأول: (هل أنت المسيح؟ هل أنت النبيّ؟ وعندما أجابهم بالنفي قالوا: إذا لم تكن المسيح ولا ذلك النبيّ المنتظَر، إذاً فلماذا تُعمّد؟). نستطيع أن نستنتج مِن هذه البشارة أن هناك نبياً بشّرت به كتبهم، حيث أن السؤال كان في عهد السيد المسيح، فمَنْ ذلك النبيّ الذي سأل عنه الأحبار والكهنة بقولهم: أأنت النبيّ؟ فاليهود منذ زمن موسى إلى زمن مجيء المسيح كان يتداول بينهم –نقلاً عن آبائهم وأجدادهم– أن الله يرسل نبيّاً عظيم القدر، وهم بانتظاره. وحيث جاء المسيح، فلم يبقَ إلا "النبيّ" الذي ينتظرونه، وقد ورد في هذا النص بعد المسيح فتعيّن أن هذا النبيّ هو (مُحمّد) لأنه قد جاء بعد المسيح مباشرة.

وهذه البشارة تُفنّد ادعاء اليهود أن بشارة موسى عن نبيّ يقيمه الله لهم (سِفْر التثنية 18) دالّة على يوشع بن نون، لأنه لو كان المقصود لما ظل اليهود إلى زمن المسيح يسألون عن ذلك النبيّ! وتفنّد –أيضاً– ادعاء النصارى بأن بشارة موسى السابقة تشير إلى المسيح، لأن علماء اليهود قالوا ليوحنا: (إنْ كنتَ لستَ المسيح ولا النبيّ) وهذا يدلّ على أن هذا النبيّ غير المسيح عليه السلام.

البشارة الثانية: قال يوحنا في الإصحاح الخامس عشر من إنجيله إن المسيح قال: (إن الفارقليط الذي يرسله أبي باسمي يعلّمكم كل شيء) وقال –أيضاً– في الإصحاح السادس عشر: (إن الفارقليط لن يجيئكم ما لمْ أذهب، فإذا جاء وبّخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئاً، لكنه يسوسكم بالحق كله، ويخبركم بالحوادث والغيوب). وقال –أيضاً–: (إني سائل أبي أن يرسل إليكم فارقليطاً آخر يكون معكم إلى الأبد).

هذه البشارة لا تحتاج إلى شرح أوْ تفسير، حيث إن المسيح يعلن أمام الجموع أن هناك مُرسَلاً آخر قادم بعده، ولديه من الصلاحيات ما ليس لغيره .. فهو لا يتكلم من تلقاء نفسه، وأنه يُخبِر بالحوادث والغيوب، وشريعته خاتمة الشرائع، تمكث إلى يوم الدين، وغير قابلة للنسخ كالشرائع السابقة عليها. و(لا يتكلّم من تلقاء نفسه) مطابقة تماماً لما جاء في بشارة سِفْر التثنية (وأجعل كلامي في فمه، فيكلّم الناس بكل ما أُوصيه به). وأن هذا النبيّ المنتظَر يُبكّت العالم على خطيئة الشرك وعبادة الأوثان والنيران والصلبان. وأنه (روح الحق) لأنه يأتي بكل الحق. وهذا لا يكون ملَكَاً لا يراه أحد، ولا يكون هُدىً وعِلْماً في قلب بعض الناس! إنما يكون بشراً رسولاً، بلْ يكون أعظم من المسيح، فإنّ المسيح أخبر أنه يقدِر على ما لا يقدِر عليه المسيح ويعلم ما لا يعلمه المسيح، ويُخبِر بكل ما يأتي وبما يستحقّه الربّ، وهذا لم يتوفر في أحد إلا في (مُحمّـد) رسول الله.

وكلمة (الفارقليط) أو (البارقليط)paracletes لفظة يونانية يجتمع من معانيها في القواميس المعزّي، والناصر، والمنذِر، والداعي. وتعني (أحمـد) كما ذكرت طبعة الآباء اليسوعيين القديمة سنة 1969 للكتاب المقدس! ويؤكد ذلك الأنبا أثناسيوس- بقوله: "إنَّ لفظ "باراقليط" معناه الحمد أوْ الشكر وهو قريب من لفظ "أحمـد".‏

البشارة الثالثة: قال يوحنا في الإصحاح السادس عشر مخبراً أن المسيح قال: (إن أموراً كثيرة أيضاً أُريد أن أقولها لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأمّا متى جاء ذاك روح الحق فهو سيرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلّم من نفسه، بلْ كل ما يسمع يتكلّم به، ويخبركم بأُمورٍ آتية، ذاك يمجّدني).

وهذه البشارة ترجمة لقوله: ]وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى[[النجم:3-4]. فالمسيح يكشف لقومه بأن لديه أموراً كثيرة تفوق طاقة احتمالهم، وأنه سيأتي الوقت المناسب لمجيء الرسول الذي يعنيه بالروح الحق. فتكون العقول قد تفتّحت، والقلوب قد رقّت، والنفوس قد تهذّبت، ويكون الناس قد استعدت للفهم واتسعت مداركهم، لاحتمال كل ما يُلقى إليهم على لسان هذا النبيّ الذي لا يتكلّم من نفسه.

أيضاً من أوصاف هذا الرسول الخاتم –كما يخبر عنه أخوه المسيح: (ذاك يمجّدني) فمن صفات هذا الرسول أنه يُمجّد المسيح. ولم يأتِ أحد بعد المسيح يمنحه من التكريم والثناء ما يستحقه، ويرفع عنه وعن أُمّه افتراءات اليهود، ويضعه في المنزلة التي وضعه الله فيها – وهي العبودية والرسالة- سوى أخيه مُحمّد. ومن صفات هذا الرسول أنه سيرشِد الخلق إلى أمور وحقائق غيبية، وذلك في قوله: (ويُخبركم بأمورٍ آتية).

البشارة الرابعة: ذكر يوحنا أيضاً في إنجيله أن (خاتَم النبوّة) من علامات هذا النبيّ المنتظر: (لا تسعوا وراء الطعام الفاني بلْ وراء الطعام الباقي إلى الحياة الأبدية، والذي يعطيكم إياه ابن الإنسان، لأن هذا قد وضع الله ختمه عليه" (يوحنا 6: 27).

وهذا متطابق تماماً مع ما ذكره "إشعيا" في سِفْرهِ عن إحدى صفات النبيّ المنتظَر فقال: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا [تعبير يذكر في العهد القديم لنبيّ آخر الزمان] وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ" (إشعيا 9: 6).

البشارة الخامسة: بشّر يوحنا (1: 15) بالمِسّيّا الرئيس (إمام المرسلين) -الذي أخبر عنه دانيال في (الإصحاح: 9)- الذي به تتم النعمة، وبه تُختَم النبوات، وهذه البشارة تطابق -أيضاً- ما ورد في أناجيل أخرى؛ ففي الحوار الذي سجّله برنابا (الإصحاح: 96) بين الكاهن وبين المسيح أمام الجماهير "قال الكاهن: إنه مكتوب في كتاب موسى أن إلهنا سيرسل لنا مِسّيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله. وسيأتي للعالم برحمة الله. لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق: هل أنت مسّيّا الذي ننتظره؟ أجاب يسوع: حقاً إنّ الله وعد هكذا ولكنّي لستُ هو لأنه خُلِقَ قبلي وسيأتي بعدي". وفي رواية إنجيل يوحنا "أجاب الكاهن: إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبيّ وقدوس الله. لذلك أرجوك أن تفيدنا بأيّة كيفية سيأتي مسّيّا؟ أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إنّي لستُ مِسّيّا الذي تنتظره كل الشعوب".

وقد تعمّدوا في الطبعات الحديثة حذف كلمة (مِسيّا Almsya) واستبدالها بكلمة (مسيحJesus)!

بشارة إنجيل لوقا

قال لوقا في إنجيله (1/30): "ويعطيه الربّ الإله كرسي داود ويملِك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لمُلْكِهِ نهاية". وهذه بشارة واضحة بنبيّ الإسلام .. ولا تنطبق على المسيح على أيّ وجه من الوجوه .. لأن المسيح لم يكن مَلِكاً لليهود، ولا مَلِكاً على آل يعقوب ولا حصل له شيء من ذلك. إنما النبيّ الذي حارب أعداءه وحكم الشعوب والأُمَم وأقام الحدود هو (مُحمّد) وليس المسيح الذي -كما يزعمون- أُلقي القبض عليه، وحاكموه، وصلبوه!

بشارات الإنجيل بأُمّة الملكوت 

لم تقتصر البشارات الإنجيلية عند مجرد ذكر اسم، وكُنية، وأوصاف، وعلامات (النبيّ المنتظَر) فحسب. بلْ هناك حديث آخر عن أُمته، وما ستبلغه من الكثرة والقوة والمجد، وما ستناله من الكرم والفضل والزيادة، بالرغم من أنها آخِر الأُمم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء! وقد عبّر عن ذلك المسيح بطريقة ضرب الأمثال، وقد صرّح بذلك عندما أخبر عن النبيّ القادم من بعده، فقال: (أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل)!

ففي إنجيل متى، شبّه (الملكوت) مثل حبة الخردل التي تنمو وتكبر حتى تصبح شجرة وارفة الأغصان والظلال: فقالَ: "يُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ حبَّةً مِن خَردلٍ أخذَها رَجُلٌ وزَرَعَها في حَقلِهِ. هيَ أصغرُ الحبوبِ كُلَّها، ولكِنَّها إذا نَمَتْ كانَت أكبَرَ البُقولِ، بل صارَتْ شجَرَةً، حتَّى إنَّ طُيورَ السَّماءِ تَجيءُ وتُعشَّشُ في أغصانِها".

وضرب لهم مثلاً آخر، فيه تصديق لقول (نبيّ الإسلام): "نحن الآخِرون الأوّلون". فشبّه الملكوت مثل العمّال في الكرم، فقال: )فمَلكوتُ السَّماواتِ كمَثَلِ صاحِبِ كَرْمِ خرَجَ معَ الفَجْرِ ليَسْتأجِرَ عُمّالاً لِكرمِهِ. فاَتفَقَ معَ العُمّالِ على دينارٍ في اليومِ وأرْسلَهُم إلى كرمِهِ. ثُمَّ خرَجَ نحوَ السّاعةِ التّاسِعةِ، فرأى عُمّالاً آخرينَ واقِفين في السّاحَةِ بطّالينَ. فقالَ لهُم: اَذهبوا أنتُمْ أيضاً إلى كَرمي، وسأُعطيكُم ما يَحقٌّ لكُم، فذَهبوا. وخرَجَ أيضاً نحوَ الظٌّهرِ، ثُمَّ نحوَ السّاعةِ الثّالِثةِ، وعمِلَ الشّيءَ نفسَهُ. وخرَجَ نحوَ الخامِسَةِ مساءً، فلَقيَ عُمّالاً آخرينَ واقفينَ هُناكَ، فقالَ لهُم: ما لكُم واقفينَ هُنا كُلَ النَّهارِ بطّالينَ؟ قالوا لَه: ما اَستأجَرَنا أحدٌ. قالَ لهُم: اَذهبوا أنتُم أيضاً إلى كرمي. ولمّا جاءَ المساءُ، قالَ صاحِبُ الكرمِ لوكيلِهِ: ادْعُ العُمّالَ كُلَّهُم واَدفَعْ لهُم أجورَهُم، مُبتدِئًا بالآخِرينَ حتَّى تَصِلَ إلى الأوَّلينَ. فجاءَ الَّذينَ اَستَأْجَرَهُم في الخامِسةِ مساءً وأخَذَ كُلُّ واحدٍ منهُم دينارًا. فلمّا جاءَ الأوَّلونَ، ظَنّوا أنَّهُم سيأخُذونَ زِيادةً، فأخَذوا هُمْ أيضاً دينارًا لِكُلٌ واحدٍ مِنهُم. وكانوا يَأْخُذونَهُ وهُمْ يَتذمَّرونَ على صاحِبِ الكرمِ، فيقولونَ: هَؤُلاءِ الآخِرونَ عَمِلوا ساعةً واحدةً، فساوَيْتَهُم بِنا نَحنُ الَّذينَ اَحتمَلْنا ثِقَلَ النَّهارِ وحَرَّهُ. فأجابَ صاحِبُ الكرمِ واحدًا مِنهُم: يا صديقي، أنا ما ظَلَمتُكَ. أَمَا اَتَّفَقْتُ معَكَ على دينارٍ؟ خُذْ حَقَّكَ واَنصرِفْ. فهذا الَّذي جاءَ في الآخِرِ أُريدُ أنْ أُعطيَهُ مِثلَكَ، أَمَا يَجوزُ لي أنْ أتصرَّفَ بِمالي كيفَما أُريدُ؟ أمْ أنتَ حسودٌ لأنَّي أنا كَريمٌ؟" وقالَ يَسوعُ: "هكذا يَصيرُ الآخِرونَ أوَّلينَ، والأوَّلونَ آخِرينَ". (متى الإصحاح 20 عدد 2-17).

هل هذه الأمثلة تحتاج إلى شرح أوْ تفسير؟ إنها بشارات بمّا ستناله الأُمة الأخيرة (أُُمّة الملكوت) من الفضل والكرامة بسبب تنزيهها لله سبحانه، وطاعتها لأوامر ربها، وتوقيرها لأنبياء الله، وإقامتها لدين الله وشريعته…

* * *

أخيراً: ليست هذه البشارات التي أوردناها هي كل ما في الأناجيل، إنما يكفي من القِلادة ما يحيط بالعنق! فهي بمثابة دلائل وشواهد على (نبوّة مُحمّد) وهي تبيّن اتفاق النصوص التي وردت في الأناجيل مع نظائرها في العهد القديم وأسفار الأنبياء السابقين، كما تبيّن أن هذه الرسالات كلها من عند الله، وهذا التحريف الذي طرأ عليها، وأثبته القرآن؛ لم يستطع أن يخفي المعنى الذي ورد أصلاً في اللفظ المنزل. كما أن كُتب الله ورسله يصدّق بعضها بعضاً، ويؤمن بعضها ببعض، فالسابق يبشر باللاحِق، واللاحق يؤمن بالسابق، فإبراهيم آمن بمن سبقه من رسل، وسأل الله أن يبعث في ذريته رسولاً يُزكّيهم ويُعلّمهم الكتاب والحِكمة، وموسى آمن بإبراهيم وبمن سبقه وبشّر بعيسى ومُحمّد عليهم السلام، وعيسى آمن بمن سبقه وبشّر بمُحمّد. كما أن ما ورد من الحق لا يخرج عن الصدق، ولا يناقض بعضه بعضاً، وأن ما ورد من الباطل فلا يكون حقاً أبداً. ويتأكد –أيضاً- من هذه النبوات أن هذا النبيّ الذي بشّرت به الأنبياء معروف لديهم كافة. وظهور الرسالة المُحمّدية والمِلّة الإسلامية على يد خاتم الرسل يعتبر آيةً لنبوتهم، إذْ تحقّق صِدق ما أخبروا به، وظهور ما بشّروا به، ولوْ لم يظهر لبطلت النبوات فيه وفي إسماعيل عليهما السلام. ولعلّ توافق هذه النبوات في حق مُحمّد يدلّ على أفضليته وانفراده بهذا الشرف الرفيع بين سائر الأنبياء الكرام. وفي توافق هذه النصوص تأييد لما أخبر القرآن والسُنّة من أنه مذكور في الكتب المتقدمة. كما يستنتج من هذا التوافق عناية الله بهذه الأُمَة، ورعايته لها، وحفظه لدينها، فمِن حفظه لدينها حفظ هذه الأدلّة الدالّة عليه والمبشّرة– لا لحاجة هذا الدين إليها، وإنما لإقامة الحُجّة على أهلها. وأن البشر على عتوّهم وتمرّدهم، لا يستطيعون أن يحجبوا الحق أبداً: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ[ [التوبة :33].

http://www.kalemasawaa.com/vb/t10824.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق