الاثنين، 3 مارس 2014

الله لا ينزل إلى الأرض


الله لا ينزل إلى الأرض

يزعم المسيحيون لتبرير نزول الله كإنسان في شخضية المسيح أو ما يسمى بعقيدة التجسد بأن الله كان أصلاً له تجسدات قديمة في العهد القديم والتي يسمونها بظهورات الله (Theophaniesوهم يزعمون بأن الله ظهر لموسى في شجرة العليقة على شكل لهيب نار ، وكذلك ظهر لإبراهيم على شكل ثلاثة رجال تمثيلاً للثالوث ، وكذلك ظهر كإنسان لمصارعة يعقوب عليه السلام ، وكان الله يظهر لبني إسرائيل في البرية ليقودهم في الطريق ، فيظهر في النهار على شكل عمود سحاب وفي المساء على شكل سحاب.

وفي الواقع هم يخالفون بذلك النصوص الصريحة التي تعلن بأن الله لا يسكن ولا يحل في شيء بل ولا ينزل الأرض ، فالله إله غير محدود في منتهى الكمال ، وأما الحلول في الشيء دلالة على المحدودية ، فالحال في الشيء يُحَدّ بالشيء الذي يحل فيه ، ولذلك نقرأ: "لأَنَّهُ هَلْ يَسْكُنُ اللَّهُ حَقّاً عَلَى الأَرْضِ؟ هُوَذَا السَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ السَّمَاوَاتِ لاَ تَسَعُكَ، فَكَمْ بِالأَقَلِّ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُ؟" (الملوك الأول 8 : 27) فالمقصود بالبيت هنا المعبد الذي بناه سليمان من أجل الله ، وهو يعترف هنا بأن البيت لا يسكنه الله لأن الله لا يحدّه شيء لأن لا شيء يسعه ، فحتى السماوات التي هي أكبر المخلوقات لا تسع الله لأنها أيضاً محدودة: "سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. لِتُسَبِّحِ اسْمَ الرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ وَثَبَّتَهَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِوَضَعَ لَهَا حَدّاً فَلَنْ تَتَعَدَّاهُ." (المزامير 148 : 3-6)  

من الذي ظهر لموسى في العليقة؟
                         

يستدل البعض بأن موسى أول ما كلمه الله كان الله وقتها عند شجرة العليقة ، فيذكر سفر الخروج بأن موسى بعدما رأى النار المتوقدة عند العليقة: "فَقَالَ مُوسَى: «أمِيلُ الآنَ لأنْظُرَ هَذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لا تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟» فَلَمَّا رَأى الرَّبُّ أنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى مُوسَى». فَقَالَ: «هَئَنَذَا». فَقَالَ: «لا تَقْتَرِبْ الَى هَهُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ لأنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أرْضٌ مُقَدَّسَةٌ». ثُمَّ قَالَ: «أنَا إلَهُ أبِيكَ إلَهُ إبْرَاهِيمَ وَإلَهُ إسْحَاقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأنَّهُ خَافَ أنْ يَنْظُرَ إلَى اللهِ.(الخروج 3 : 3-6) 

في الواقع إن الذي ظهر لموسى في العليقة ليس هو الله وإنما هو ملاك الله! ذلك لأننا إن عدنا آية واحدة (أي الآية الثانية من نفس الفصل) قبل هذه النصوص لوجدناها تصرّح بأنه كان الملاك: "وَظَهَرَ لَهُ مَلاكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ فَنَظَرَ وَإذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ!" (الخروج 3 : 2). 

إذن الذي ظهر هو ملاك الرب وليس الله! وهاهو العهد الجديد يؤكد على لسان ستيفانوس بأن الذي ظهر هو ملاك الرب: "وَلَمَّا كَمِلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً ظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ فِي بَرِّيَّةِ جَبَلِ سِينَاءَ فِي لَهِيبِ نَارِ عُلَّيْقَةٍ." (الأعمال 7 : 30) ، بل ويكررها تأكيداً: "هَذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيساً وَقَاضِياً؟ هَذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيساً وَفَادِياً بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ." (الأعمال 7 : 35) 

وقوله بأن الله أرسل موسى بيد الملاك تبييناً بأن الملاك هو الوسيط بين الله وموسى وأنه هو الذي نقل كلام الله لموسى ، بل إن ظهور الملاك في شعلة نار لهي دلالة واضحة بأنه ملاك وليس الله ، وقد يخطئ البعض ظناً بأن الله هو الذي يظهر على شكل نار فيرسمون الروح القدس الذي يؤمنون بأنه الله على هيئة نار متقدة ، فالظهور على شكل نار هو من خصائص الملائكة ، وذلك كما نقرأه في سفر الرؤيا بأن أرواح الله السبعة التي هي الملائكة تظهر على ذلك النحو: "وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُمَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ.(الرؤيا 4 : 5) ، ونرى هنا سفر الرؤيا نفسه يصرّح بأنهم ملائكة: "وَرَأَيْتُ السَّبْعَةَالْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ يَقِفُونَ أَمَامَ اللهِ." (الرؤيا 8 : 2) ، وكذلك نقرأ هذا الوصف عن الملائكة بشكل عام: "وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ." (العبرانيين 1 : 7) (ملاحظة: نسخة الملك جايمس الإنجليزية وغيرها من التراجم الأخرى ترجمتها "الصانع ملائكته أرواحاً" بدلاً من "رياحاً") 

إذن فالنار الذي ظهر لموسى في العليقة هو الملاك وليس الله.  

   من الذي صارع يعقوب؟ 

يؤمن البعض بأن الله نزل إلى الأرض على هيئة إنسان وتصارع مع يعقوب عليه السلام وكان المنتصر في هذه المصارعة هو يعقوب!! وهؤلاء يستدلون بهذا النص: "فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ. وَصَارَعَهُ إنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَلَمَّا رَآى أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. وَقَالَ: «أطْلِقْنِي لأنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لا أطْلِقُكَ إنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». فَسَالَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». فَقَالَ: «لا يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إسْرَائِيلَ لأنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِوَالنَّاسِ وَقَدِرْتَ». وَسَألَهُ يَعْقُوبُ: «أخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْألُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهاً لِوَجْهٍ وَنُجِّيَتْ نَفْسِي»." (التكوين 32 : 24-30) 

هل يتصارع الله مع البشر ويُغلب؟ ما هذا الكلام؟ والأعجب من ذلك كله هو قول بعض المفسرين بأن الذي صارعه يعقوب هو المسيح! فحينما نُقلّب كتب المفسرين المسيحيين نجدهم انقسموا إلى فريقين: فريق قال بأن الذي صارعه يعقوب هو ملاك (وهؤلاء منهم المفسر جون ويسلي والمفسر الشهير ماثيو هنري) ، وفريق آخر يفسرها بأن الذي صارع يعقوب هو الله ، وبالذات الله الابن الذي يمثل الشخصية الثانية من الثالوث المسيحي ، فهذا الرجل الذي صارع يعقوب يعتبرونه أحد تجسدات المسيح! ومن هذا الفريق المفسر جون جل وأيضاً المفسر آدم كلارك والذي قال معلقاً على هذه القصة: "إنه من دون شك لهو الرب يسوع المسيح والذي اتخذ أيام الآباء هيئة إنسان." 

إن الغريب من هذه التفسيرات هو أن قولهم بأن هذه المصارعة تمت مع المسيح ليس له أي دليل وإنما هي آراء مخترعة ، والأغرب من ذلك هو أن الكتاب المقدس بنفسه في سفر هوشع يعلن بأن الذي صارعه يعقوب وغلبه إنما هو ملاك: "جَاهَدَ مَعَالْمَلاَكِ وَغَلَبَ." (هوشع 12 : 4) 

إذن الذي صارع يعقوب هو ملاك وليس الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق