الأحد، 9 مارس 2014

افتراضي الرد على شبهات حول (الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم)

النسخ لغة:
1-الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل، ونسخت الريح الأثر، أي أزالته.
2-النقل، يقال نسخت ما في الكتاب أي: نقلته مع بقاء أصله.
النسخ اصطلاحا: كما عرفه ابن قدامة: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، بخطاب متراخ عنه.
أو كما قال ابن عثيمين رحمه الله: رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة.
وهم يقولون - أي النصارى - " القرآن وحده من دون سائر الكتب الدينية ، يتميز بوجود الناسخ والمنسوخ فيه ، مع أن كلام الله الحقيقى لا يجوز فيه الناسخ والمنسوخ ؛ لأن الناسخ والمنسوخ فى كلام الله هو ضد حكمته وصدقه وعلمه ، فالإنسان القصير النظر هو الذى يضع قوانين ويغيرها ويبدلها بحسب ما يبدو له من أحوال وظروف.
لكن الله يعلم بكل شئ قبل حدوثه. فكيف يقال إن الله يغير كلامه ويبدله وينسخه ويزيله ؟
ليس الله إنساناً فيكذب ، ولا ابن إنسان فيندم ؟! "
الرد على هذه الشبهة:
نحن لا ننكر أن في القرآن نسخا، فالنسخ موجود في القرآن بين ندرة من الآيات، ولكننا ننكر أن يكون وجود النسخ في القرآن عيبا أو قدحا في كونه كتابا منزلا من عند الله، ذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار.
أما ما ذكرتموه من آيات القرآن ، ساخرين من مبدأ الناسخ والمنسوخ فيه فتعالوا اسمعوا الآيات التي ذكرتموها في جداول الناسخ والمنسوخ وهى قسمان:
أحدهما: فيه نسخ فعلاً (ناسخ ومنسوخ).
وثانيهما: لا ناسخ فيه ولا منسوخ، وخلطكم هذا لأنكم سرتم في طريق لا تعرفون كيفية السير فيه.
القسم الأول: ما فيه نسخ:
من الآيات التي فيها نسخ ، وذكروها في جدول الناسخ والمنسوخ الآيتان التاليتان: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) النساء:15
ثم قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله 000 ) النور:2
هاتان الآيتان فيهما نسخ فعلاً ، والمنسوخ هو حكم الحبس في البيوت للزانيات حتى يَمُتْنَ ، أو يجعل الله لَهُنَّ حكماً آخر.
وكان ذلك في أول الإسلام. فهذا الحكم حكم حبس الزانية في البيت ، حين شرعه الله عز وجل أومأ في الآية نفسها إلى أنه حكم مؤقت ، له زمان محدد في علم الله أزلاً. والدليل على أن هذا الحكم كان في علم الله مؤقتاً ، وأنه سيحل حكم آخر محله في الزمن الذي قدره الله عز وجل هو قوله: (أو يجعل الله لهن سبيلاً). هذا هو الحكم المنسوخ الآن وإن كانت الآية التي تضمنته باقية قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.
أما الناسخ فهو قوله تعالى في سورة "النور" في الآية التي تقدمت ، وبين الله أن حكم الزانية والزاني هو مائة جلدة ، وهذا الحكم ليس عامّا في جميع الزناة، بل في الزانية والزاني غير المحصنين. أما المحصنان ، وهما اللذان سبق لهما الزواج فقد بينت السنة قوليًّا وعمليًّا أن حكمهما الرجم حتى الموت.
وليس في ذلك غرابة ، فتطور الأحكام التشريعية ، ووقف العمل بحكم سابق ، وإحلال حكم آخر لاحق محله مما اقتضاه منهج التربية في الإسلام.
ولا نزاع في أن حكم الجلد في غير المحصنين ، والرجم في الزناة المحصنين ، أحسم للأمر ، وأقطع لمادة الفساد.
وليس معنى هذا أن الله حين أنزل عقوبة حبس الزانيات لم يكن يعلم أنه سينزل حكماً آخر يحل محله ، وهو الجلد والرجم حاشا لله.
والنسخ بوجه عام مما يناسب حكمة الله وحسن تدبيره ، أمَّا أن يكون فيه مساس بكمال الله. فهذا لا يتصوره إلا مرضى العقول أو المعاندين للحق الأبلج الذي أنزله الله وهذا النسخ كان معمولاً به في الشرائع السابقة على شريعة الإسلام.
ومن أقطع الأدلة على ذلك ما حكاه الله عن عيسى عليه السلام في قوله لبنى إسرائيل: (ولأحل لكم بعض الذي حُرِّم عليكم).
وفى أناجيل النصارى طائفة من الأحكام التي ذكروها وفيها نسخ لأحكام كان معمولاً بها في العهد القديم.
ومثيرو هذه الشبهات ضد القرآن يعرفون جيداً وقوع النسخ بين بعض مسائل العهد القديم والعهد الجديد. ومع هذا يدعون بإصرار أن التوراة والأناجيل الآن متطابقان تمام الانطباق.
ومن هذا القسم أيضاً الآيتان الآتيتان:
(يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون).
وقوله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) الأنفال:66.
والآيتان فيهما نسخ واضح. فالآية الأولى توجب مواجهة المؤمنين لعدوهم بنسبة (1: 10) ، والآية الثانية توجب مواجهة المؤمنين للعدو بنسبة (1: 2).
وهذا التطور التشريعي قد بين الله الحكمة التشريعية فيه ، وهى التخفيف على جماعة المؤمنين في الأعباء القتالية فما الذي يراه عيباً فيه خصوم الإسلام ؟
لو كان هؤلاء الحسدة طلاب حق مخلصين لاهتدوا إليه من أقصر طريق ، لأن الله عز وجل لم يدع مجالاً لريبة يرتابها مرتاب في هاتين الآيتين. لكنهم يبحثون عن " العورات " في دين أكمله الله وأتم النعمة فيه ، ثم ارتضاه للناس ديناً.
وقد قال الله في أمثالهم:
(ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) الأنعام:7.
ومن هذا القسم أيضاً الآيتان الآتيتان:
(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج...) البقرة:240.
وقوله تعالىوالذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً...) البقرة:234.
أجل ، هاتان الآيتان فيهما نسخ ؛ لأن موضوعهما واحد ، هو عدة المتوفى عنها زوجها.
الآية الأولى: حددت العدة بعام كامل.
والآية الثانية: حددت العدة بأربعة أشهر وعشر ليال.
والمنسوخ حكماً لا تلاوة هو الآية الأولى ، وإن كان ترتيبها في السورة بعد الآية الثانية.
والناسخ هو الآية الثانية ، التي حددت عدة المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر ليال ، وإن كان ترتيبها في السورة قبل الآية المنسوخ حكمها.
وحكمة التشريع من هذا النسخ ظاهرة هي التخفيف ، فقد استبعدت الآية الناسخة من مدة العدة المنصوص عليها في الآية المنسوخ حكمها ثمانية أشهر تقريباً ، والمعروف أن الانتقال من الأشد إلى الأخف ، أدعى لامتثال الأمر ، وطاعة المحكوم به.. وفيه بيان لرحمة الله عز وجل لعباده. وهو هدف تربوي عظيم عند أولى الألباب.
القسم الثاني:
أما القسم الثاني ، فقد ذكروا فيه آيات على أن فيها نسخاً وهى لا نسخ فيها ، وإنما كانوا فيها حاطبي ليل ، لا يفرقون بين الحطب ، وبين الثعابين ، وكفى بذلك حماقة.
وهذا ليس نسخا لمن قال بأنه نسخا
(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) البقرة:219.
(إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) المائدة:90.
والآيتان لا ناسخ ولا منسوخ فيهما. بل إن في الآية الثانية توكيداً لما في الآية الأولى ، فقد جاء في الآية الأولى: " فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما "
ثم أكدت الآية الثانية هذا المعنى: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)فأين النسخ إذن ؟.
أما المنافع في الخمر والميسر ، فهي: أثمان بيع الخمر ، وعائد التجارة فيها ، وحيازة الأموال في لعب الميسر " القمار " وهى منافع خبيثة لم يقرها الشرع من أول الأمر ، ولكنه طبيعة الإسلام في التدرج في التشريع حيث أخذ القرآن يخطو نحو تحريمها خطوات حكيمة قبل أن يحرمها تحريماً حاسماً ، حتى لا يضر بمصالح الناس.
وبعد أن تدرج في تضئيل دورها في حياة الناس الاقتصادية وسد منافذ رواجها ، ونبه الناس على أن حسم الأمر بتحريمها آتٍ لا محالة وأخذوا يتحولون إلى أنشطة اقتصادية أخرى ، جاءت آية التحريم النهائي في سورة المائدة هذه: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) هذه هي حقيقة النسخ وحكمته التشريعية ، وقيمته التربوية
** النسخ مكانة هامة في تاريخ الأديان، حيث أن النسخ هو السبيل لنقل الإنسان إلى الحالة الأكمل عبر ما يعرف بالتدرج في التشريع، وقد كان الخاتم لكل الشرائع السابقة والمتمم له ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا التشريع بلغت الإنسانية الغاية في كمال التشريع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق