الاثنين، 10 مارس 2014

كيف ولد يسوع في الكتاب المقدس ؟

صفحة أبو معاذ السلفي (جولدر ميدو)
كيف ولد يسوع في الكتاب المقدس ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين. الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأشهد أن المسيح عيسى بن مريم عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى أمه البتول عليهما السلام. أما بعد...
كثيراً ما شغل عقلي سؤال ظل يطرح نفسه كل ما قرأت نصاً معيناً في الكتاب المقدس، وكلما مررت بهذا النص أتوقف ليطرح عقلي نفس السؤال مرة أخرى.. فما هو السؤال وهل سأجد الإجابة عليه يوماً ما؟
كيف ولد يسوع في الكتاب المقدس ؟؟
سؤال قد يبدو سهلاً وبسيطاً بالنسبة لكثير من النصارى وقد يقوم أحدهم بالرد بطريقة متسرعة ويقول: ( سؤال سهل والرد سهل فالروح القدس حل على العذراء مريم أم النور وجاء يسوع ) هذا ما أسمعه من النصارى منذ أكثر من ست سنوات حينما أطرح هذا السؤال لأتلقى نفس الإجابة. لذلك قررت أن أعرف ماذا حدث في الليلة التي ظهر فيها الروح القدس لمريم من الكتاب المقدس. وكيف تم الحلول؟ وكيف ظللت قوة العلي مريم؟ سوف نحاول في هذا البحث أن نعرف إجابة هذا السؤال، سنحاول أن نكتشف الحقيقة.
قبل الخوض في مسألة حلول الروح القدس على مريم من الكتاب المقدس، هلموا بنا لنعرف أولاً ماذا قال القرآن الكريم في مسألة ولادة سيدنا عيسى عليه السلام. سوف نرى الولادة الإعجازية لسيدنا عيسى عليه وعلى أمه الصلاة والسلام.
أمر الله تعالى جبريل الأمين أن ينفخ في جيب درعها وهو رقبة الثوب ومدخل الرأس منه فنزلت النّفخة بإذن الله فولجت رحمها فصارت روحاً خلقها الله تعالى. وقد بيّن عزّ وجلّ مبدأ خلق عيسى عليه السلام فقال تعالى { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} الأنبياء 91، ثم بيَّن تعالى أن النفخ وصل إلى الفرج، فقال عز وجل { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} التحريم 12.
وهنا تمكن القرآن الكريم من أن يجيب على السؤال المحير الذي حير العوام بل حيّر كبار رجال العقيدة النصرانية. استطاع القرآن الكريم أن يجيب على السؤال.ظهر الروح القدس ( جبريل عليه السلام ) كما قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى : (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) البقرة 87، هو جبريل على الأصح، ويدل على ذلك قوله تعالى : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }الشعراء193، وقوله: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا) مريم 17.
بهذا أعتقد أن الإسلام العظيم وضح كيفية هذه الولادة العظيمة لسيدنا عيسي عليه السلام.
لننتقل الآن إلى الجانب الآخر من الموضوع، وسوف نطرح سؤالاً استفزازياً ( كما يسميه الأنبا موسي أسقف الشباب ) هل اغتصب الرب ( إله النصارى ) مريم ( المذكورة في الكتاب المقدس )؟؟ وسنستمر في طرح هذا السؤال إلى أن نجد الحل في نهاية البحث. وسنبدأ أولاًَ بالتعرف على عُمر مريم وقت حدوث هذا الحلول.
حاول الكثيرون منا معرفة سن مريم وقت حدوث هذه الحادثة الأليمة والتي غيرت مجرى حياتها. بداية يجب أن أوضح لكم أن مريم كانت مخطوبة لرجل اسمه يوسف النجار، هذا الرجل كان يبلغ من العمر تسعين عاماً بينما كانت هي في الثانية عشر وإليكم بعض الأدلة على كلامنا.
الأنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي يقول: "وعندما يؤكد نكاح السيدة مريم في سن الثانية عشر من عمرها من يوسف وهو شيخ كبير نحو التسعين من عمره".[1]
الدكتور سمير هندي في كتاب قدمه الأنبا غريغوريوس يقول: "ظلت مريم في الهيكل إلى أن بلغت إثنى عشر عاماً أرادوا أن يعهدوا برعايتها لأحد شيوخ يهوذا وهو السبط الذي ينتمي إليه مريم"[2]
والآن وبعد أن وجدنا أن مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار[3] وبعدها حدث ما حدث.. وقبل الخوض في مسألة ظهور الروح القدس لها. لنا هنا سؤال: لماذا اختار إله النصارى مريم بالتحديد؟ قد يرد أحدهم ليقول أنها كانت عابدة لله وكان معروف عنها التقوى والورع في عبادتها له. ولكن السؤال الآن: لماذا صبر الرب كل هذا الوقت لكي يختارها؟ ولماذا ترك يوسف النجار الذي يكبرها بأكثر من ثمانية عقود يخطبها؟ هل غار الرب من يوسف النجار عندما خطب الفتاة التي كانت له؟
وبعد هذه الأسئلة التي أعتقد أنها فتحت لنا مجالاً آخر في البحث. مجال جديد يطرح من الأسئلة المزيد على عقول النصارى العوام والعلماء- إن وجدوا-، سوف ننتقل الآن إلى النص الأصلي الذي سوف يكون محور بحثنا بأمر الله تعالى وهو العدد الخامس والثلاثون من إنجيل لوقا بالإصحاح الأول:
فأجاب الملاك: «الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله
وستكون أولى خطواتنا هي وضع التراجم المختلفة نصب أعيننا، مع العلم أن هذا النص به مشكلة نصية ولكنها ليست موضوعنا الآن لذلك سنتركه إلى أهل التخصص من المسلمين للكتابة عنه من خلال النقد النصي لهذا العدد. وقد وضعنا ترجمة الفانديك للنص السابق وذلك لانتشارها بين النصارى اليوم... وسوف نتابع سوياً بقية التراجم العربية والإنجليزية لهذا النص.
ترجمة الحياة:
فأجابها الملاك: (الروح القدس يحل عليك، وقدرة العلي تظللك. لذلك أيضا فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله)
ترجمة الأخبار السارة:
فأجابها الملاك: (الروح القدس يحل عليك، وقدرة العلي تظلّلك، لذلك فالقدوس الذي يولد منك يدعى ابن الله) 
الترجمة اليسوعية:
فأجابها الملاك: (إن الروح القدس سينزل عليك وقدرة العلي تظللك، لذلك يكون المولود قدوسا وابن الله يدعى)
الترجمة العربية المشتركة:
فأجابَها المَلاكُ: ((الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقُدرَةُ العليِّ تُظَلِّلُكِ، لذلِكَ فالقدُّوسُ الّذي يولَدُ مِنكِ يُدعى اَبنَ اللهِ
الترجمة البوليسية:
فأجابَها المَلاكُ وقال لها (هو الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقُدرَةُ العليِّ تُظَلِّـلُكِ، لذلِكَ فالمولود قدوس وأبن العلي يُدعي)
يتضح لنا من خلال التراجم المختلفة لهذا النص أن جميع التراجم اتفقت في الجزء الأول من النص: "الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقُدرَةُ العليِّ تُظَلِّـلُكِ" ولكن المدقق يجد أن الجزء الآخر من النص هو ما وقعت فيه المشكلة النصية ولعلك لاحظت أنه بعض التراجم تكتب القدوس وتراجم أخرى تكتب قدوس ولكن كما وضحت سابقاً فهذا ليس بموضوع بحثنا ..!!
أود بداية أن أنوه أننا من خلال هذا البحث قد نطرح الكثير من الأسئلة الجديدة ونعيد صياغة أسئلة تم طرحها من قبل. نأتي الآن إلى الجزء الأول من النص الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقُدرَةُ العليِّ تُظَلِّـلُكِ . من النظرة الأولى للنص نجد أن النص يتكلم عن اثنين الروح القدس وقدرة العلي.. فهل الاثنان مختلفان؟
يبدو أن هذا النص يحمل بعض الألغاز! لذلك سنستعين بمفسري الكتاب المقدس علّنا نجد لديهم حلاً لهذا النص كي يفسروا لنا ما المقصود منه.
تفسير بنيامين بنكرتن: " كان يجوز لمريم أن تسأل عن كيفية تتميم هذا الوعد باعتبار حالتها وأما زكريا فجلب تأديبًا على نفسهِ لما سأل سؤالاً مثل هذا لأنهُ إنما صدر من عدم إيمانهِ وأما مريم فقبلت كلام الملاك، ولم تكن مرتابة بأن يكون لها ابن بل إنما سألت كيف يكون هذا وأنا لستُ أعرف رجُلاً. فبادر الملاك وجاوبها عن كيفية أجراء هذا العمل العظيم الخارق العادة. الروح القدس يحلُّ عليكِ وقوُّة العلي تُظللّك. فلذلك أيضًا القُدُّوس المولود منكِ يُدعى ابن الله. لا يجوز لنا أن نبحث بحثًا عقليًا في هذا الموضوع بل إنما نقبل ما أُعلن بالإيمان فإن التجسُّد من الأفعال الإلهية التي من الضرورة تفوق عقولنا. يكفينا أن نعلم أن الله أجراهُ كما أجرى عمل الخليقة نفسها"
نلاحظ أن المفسر بنيامين يحاول الخروج من المأزق فألصق الموضوع برمته إلى العقل.. وقال أن العقل يتوقف عن التفكير في كيفية إتمام هذا العمل ويقول أن الأفعال الإلهية تفوق عقولنا. وأنا أتفق معه في هذا، ولكن المدهش يا سادة أن الإنجيل يذكر لنا معظم الأفعال الإلهية مثل أنه يُصَفِّر، يحلق شعره، ينام، يستريح، يأكل وغيرها من الأفعال الإلهية.. ويأتي المفسر في بداية ولادة يسوع ويقول أن العقل يتوقف عند التفكير في هذا العمل؟ أعتقد الآن أن الغرض اتضح. ويقول يكفينا أن نعلم أن الله أجراه والسؤال ماذا أجرى؟ السؤال يتكرر ماذا أجرى الله لكي يأتي بيسوع؟ ماذا حصل لمريم الصغيرة  لكي تنجب يسوع؟ أعتقد أنه يجب على المفسر إذا مازال حياً[4] أن يراجع بداية سفر التكوين لكي يرى ماذا قال الله في بداية خلق الحياة بالتفصيل[5].

تفسير تادرس يعقوب ملطي: "ثانيًا: أٌرسل الملاك إلى "عذراء مخطوبة لرجل"، لماذا لم يُرسل إلى عذراء غير مخطوبة؟
أ. يجيب العلامة أوريجينوس بأن وجود الخاطب أو رجل مريم ينزع كل شكٍ من جهتها عندما تظهر علامات الحمل عليها، ويقول القدّيس أمبروسيوس:[ربَّما لكي لا يُظن أنها زانية. ولقد وصفها الكتاب بصفتين في آن واحد، أنها زوجة وعذراء. فهي عذراء لأنها لم تعرف رجلاً، وزوجة حتى تُحفظ ممَّا قد يشوب سمعتها، فانتفاخ بطنها يشير إلى فقدان البتوليّة (في نظر الناس). هذا وقد اِختار الرب أن يشك البعض في نسبه الحقيقي عن أن يشكُّوا في طهارة والدته... لم يجد داعيًا للكشف عن شخصه على حساب سمعة والدته.]"
رداً على ما قاله المفسر تادرس أو بالأصح على العلامة  أوريجينوس بما أن المفسر تادرس ينقل عنه: يقول هذا العلامة بأن وجود الخاطب أو رجل مريم ينتزع كل شك من جهتها عندما تظهر علامات الحمل عليها. وهو بالفعل سوف ينزع الشك ولكنه في نفس الوقت يتهم مريم بالزنا مع يوسف النجار! أما بخصوص ما قاله أمبروسيوس فإنه يؤكد نفس الكلام بل يؤكد أن الرب نفسه اختار أن يشك البعض في نسبه الحقيقي عن أن يشكوا في طهارة والدته..ولكن ألم يشك القوم فعلاً في مريم؟ يجب أن يعلم القديس والعوام أن علماء المسيحية أنفسهم قالوا أن اليهود قالوا أن يسوع ابن الجندي الروماني.
ومن العجيب أن المفسر نفسه تاردس يعقوب هو من قال بذلك في تفسيره لإنجيل يوحنا الإصحاح الثامن العدد41: " (إذ قال المخلص أن الله هو أبوه (يو ٥: ١٨) ولم يعرف رجلاً بأنه أباه، فلذلك قالوا: "إننا لم نولد من زنالمقاومته، مضيفين: "لنا أب واحد وهو الله" (٤١). وكأنهم يقولون له: "إننا نحن الذين لنا أب واحد وهو الله وليس أنت يا من تدعي أنك وُلدت من بتول، فأنت وُلدت من زنا. إنك تفتخر أنك وُلدت من عذراء بقولك أن لك الله وحده هو أبوك. نحن الذين نعرف الله كأب لنا لا ننكر أنه لنا أب بشري" "[6]
ظهر الآن مدى التخبط في التفسير!!!.. نتابع، يرى العلامة أوريجينوس نقلاً عن القدّيس أغناطيوس أن وجود يوسف يشكِّك الشيطان في أمر المولود ويُربكه من جهة التجسّد الإلهي.
أريد الآن التركيز في هذه النقطة التي حيرتني كثيراً. إن الكثير من الآباء يحاولون تبرير وجود يوسف في حياة مريم بأنه سوف يشكك الشيطان.. العجب في هذه المقولة. هل يريد الرب أن يشكك الشيطان بعمل تمثيلية سخيفة من أجل الهروب من الشيطان!!! هل الرب يحتاج إلى كل هذا من أجل أن يربك حسابات الشيطان من جهة التجسد الإلهي. هذا هو الضعف بعينه!
ويؤكد كلام أوريجنيوس القدّيس أمبروسيوس ذات الفكرة حين قال: "هناك سبب آخر لا يمكن إغفاله وهو أن رئيس هذا العالم لم يكتشف بتوليّة العذراء، فهو إذ رآها مع رجلها لم يشك في المولود منها". وهنا يؤكد القديس أمبروسيوس نفس الفكرة ولكنه يقولها بعبارة صريحة أن الرب حاول أن يلعب مع الشيطان لعبة إخفاء يسوع منه حتى إذا رأى رئيس العالم مريم فالموضوع طبيعي بالنسبة له! هل نحن أمام ما يسمى ( لعبة عسكر وحرامية )؟
ننتقل الآن إلى الجزء المهم في تفسير تاردس يعقوب عن كيفية الولادة: " أ. يظهر من حديث العذراء أنها قد نذرت البتوليّة، فلو أنها كانت تود الزواج لما قالت هكذا، بل تقول: "متى يكون هذا؟!" منتظرة تحقيق الوعد خلال الزواج. لقد وضعت في قلبها أن تكون بتولاً للرب، فحلّ البتول فيها، ليُقدِّس فيها بتوليّة الكنيسة الروحيّة. وكما يقول القدّيس أغسطينوس: [اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولي... فقد أكّد السيِّد المسيح بتوليّة القلب التي يريدها للكنيسة أولاً خلال بتوليّة جسد مريم. فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولاً فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو ابن البتول، إذ تقدِّم له ذاتها تمامًا"
نرى أن تاردس يقول أن مريم نذرت البتولية وأنها لم تكن تود الزواج. السؤال الآن لماذا تزوجت من يوسف النجار؟ قد يرد أحد النصارى ويقول أن الموضوع بكل بساطة أن مريم قد جاءها الوقت الذي يجب أن تخرج  فيه من الهيكل ولم يعد مسموحاً لها بالتواجد في هذا المكان. ولكن يرد عليكم السؤال هل الراهبات يخرجن من الهيكل والعبادة والرهبنة عندما يأتي عليهن الوقت؟ أعتقد أنه سبب وهمي لكي يبرر زواج يوسف النجار من مريم. وكعادة الكثير من المفسرين العديد من محاولات إقحام الكنيسة في أي تفسير.
"ب. يقول القدّيس أمبروسيوس: [لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قبوله، بل أبدت استعدادها له، أما عبارة: "كيف يكون هذا؟"فلن تنم عن الشك في الأمر قط، إنما هو تساؤل عن كيفيّة إتمام الأمر... إنها تحاول أن تجد حلاً للقضيّة... فمن حقِّها أن تعرف كيف تتم الولادة الإعجازيّة العجيبة.] لذلك جاءت إجابة الملاك لها تكشف عن سرّ عمل الله فيها لتحقيق هذه الولادة:"الروح القدس يحلُّ عليك، وقوّة العليِّ تظلِّلك،فلذلك أيضًا القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله".
يحاول أمبروسيوس أن يقنع العوام أن كلام الملاك مقبول بالنسبة لمريم على اعتبار أن مريم تعرفت على الملاك وقبلت كلامه ولكنها كانت تريد أن تعرف كيف يُتِم هذه العملية. ونحن نريد أيضاً أن نعرف.
""الروح القدس يحلُّ عليك، وقوّة العليِّ تظلِّلك،فلذلك أيضًا القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله" الروح القدس يحلُّ عليها لتقديسه، روحًا وجسدًا، فتتهيَّأ لعمل الآب الذي يُرسل ابنه في أحشائها يتجسّد منها. حقًا يا له من سرّ إلهي فائق فيه يًعلن الله حبُّه العجيب للإنسان وتكريمه له!"
كنت أتوقع أن تاردس يعقوب سوف ينهي البحث عندما يذكر كيف يكون الحلول! ولكن لم يحل المشكلة بل قال أن الروح القدس يحل لتقديسها روحاً وجسداً. هنا نطرح السؤال على كل العوم هل يقصد تادرس الحلول روحاً وجسداً أم تقديس مريم روحاً وجسداً. وإن كان سيقدس مريم، فكيف يتم التقديس الجسدي؟ هل سوف يكون بحلول الروح القدس بداخلها؟ وإذا كان بحلول الروح القدس هل هو حلول أقنومي؟ ويختم تاردس يعقوب كلامه بأنه سر إلهي فائق.. لماذا لم يعلن الله عن هذا السر؟؟ وأختم تفسير تاردس بهذه المقولة: "ويرى اللاهوتيون أنه في هذه اللحظات التي قدَّمت الطاعة لله والخضوع قبلت التجسُّد، إذ لم يكن ممكنًا أن يتم التجسّد بغير إرادتها وقبولها للعمل، إذ يقدِّس الله الحريّة الإنسانيّة"
ننتقل الآن إلى التفسير التطبيقي للكتاب المقدس ولنضع نصب أعيننا نقطة هامة جداً وهي أن علماء الكتاب المقدس حاولوا جاهدين أن يهربوا من تفسير هذا العدد، محاولين أن يظهروا مدى حرص الإله على إخفاء يسوع عن أعين إبليس!
"لو 1: 35
 ولد الرب يسوع بدون الخطية التي دخلت إلى العالم من خلال آدم. فقد ولد قدوسا كما كان آدم قد خلق قديسا بلا خطية. ولكن على نقيض آدم الذي عصا الله، أطاع يسوع الله، وأمكنه بذلك أن يصبح بديلا عنا في تحمل تبعات الخطية، حتى ننال نحن القبول أمام الله (رو 5: 14-19)."
وهنا نلاحظ أيضاً هروب مفسري التفسير التطبيقي للكتاب المقدس من تفسير الجزء الأول من العدد محاولين كتابة أي شيء يدل على الخلاص والخطية الأصلية وتوضيح مكانة يسوع و أفضليته على آدم وتركوا لنا قضية ولادته كالعادة.
يحاول الأب متى المسكين في تفسيره شرح هذا الجزء الصعب من ولادة يسوع فيقول: "الجزء الثاني من البشارة: (لو 34:1و35)
«فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟ فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ».
القديسة مريم هنا تنتبه انتباهة روحية لقول الملاك: “ستحبلين وتلدين” وكأن الأمر واقع، وهو بحسب الله حتماً واقع. فالله إن قال يكون، وإرادة الإنسان حتماً منصاعة لا قهراً بل عن طاعة. وهنا تضطر القديسة مريم أن تعلن عن عفَّتها التي كرَّستها لله كما بقسم، فإن كانوا قد خطبوها ليوسف، فقد سبقت وخطبت نفسها لله. فكما أعدَّها الله لنفسه، أعدَّت هي نفسها له!! فمن أين تأتيها ثمرة البطن، وبطنها قد تقدَّست لله! والجسد إن تقدَّس اشتعل ناراً، فلا يُرى إلاَّ هيكلاً لله!! فإن تساءَلَتْ: كيف يكون لي هذا؟ فليس تشكيكاً فيما يقول الملاك أو عدم تصديق، ولكنه لطلب المزيد من المعرفة ليكون جوابها عن رضى وقناعة. وهكذا لاق بالبطن العُذْريِّ أن يحل فيه روح الله بارتياح. وهكذا استدرجت مريم القديسة الملاكَ ليكمِّل بشارته. فلما قال لها: «الروح القدس يحلُّ عليكِ»، احتوى روح القداسة الرَّحِمَ وصاحبته، فكان بمثابة البذرة الإلهية التي سكنت كيانها الأنثوي. وأما قوة العليِّ التي ظللتها، فكانت بمثابة الحضن الأبوي للابن الوحيد الذي نزل منه. وهكذا حتماً، وبالضرورة، أخذ الجنين منذ ساعته الأولى اسمه الأزلي: »لذلك فالقدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله« وهذا ليس مجرد اسم أو لقب، بل كيان إلهي من كيان إلهي: » أنا والآب واحد «(يو 30:10). فإن كان قد خرج من الحضن الإلهي، فقد خرج والحضن لا يزال يحتويه؛ ولكن عودته هي الأمر المذهل لنا حقاً، لأنه يعود مرتفعاً ونحن فيه ليجلسنا عن يمين أبيه."
دعونا نتأمل ما قاله المفسر متى المسكين. لقد حاول الرجل جاهداً أن يتخلى عن خجل المفسرين في تفسير قصة ميلاد يسوع.. لذلك قرر المفسر متى المسكين أن يشمر عن ساعديه ويتناول هذا النص مما سيفسح لنا المجال أن نتابع اعترافات أعتقد أنها سوف تساعدنا في فهم حقيقة ميلاد يسوع.
يقول متّى المسكين أن مريم كانت مخطوبة ليوسف ولكنها قبل هذا كانت مخطوبة إلى الله! بدأت الأمور تتضح شيئاً فشيئاً؛ لقد تمت خِطبة مريم إلى الله!. وللتوضيح- للنصارى- فإننا بالطبع نعلم أن خِطبة مريم ليوسف ليس كخطبتها لله. ولكن هل كان الآب على علم بذلك؟ هل كان الآب يعلم أنه سوف يدخل في رحم مريم لكي يتجسد فيها.
نستكمل ما قاله متّى المسكين فكما أعدَّها الله لنفسه، أعدَّت هي نفسها له!!  دعونا نتأمل تفسيره في هذه الجملة أعدها الله لنفسه و أعدت هي نفسها له! أعتقد أن الأفكار التي تسيطر على رأسك الآن هي من هذا القبيل من: كيف أعد الله مريم له ؟؟ الإجابة: لكي يتجسد فيها ولكن كيف؟؟ يظل السؤال كيف تعِّد مريم نفسها لله؟ وكأننا أمام قصة حب بين إله وبين فتاة لا تتعدى من العمر اثنا عشر عام بحسب قول الموسوعة الكاثوليكية والرابع عشر بحسب كلام معظم أباء الكنيسة الأرثوذكسية. قصة حب بين إله اختار فتاة مخطوبة لكي يحل عليها بالروح القدس ويظلها هو. ولكن تظل المشكلة الآن ما المقصود بالحلول وما معنى قوة العلي تظللك؟
فلما قال لها: «الروح القدس يحلُّ عليكِ»، احتوى روح القداسة الرَّحِمَ وصاحبته، فكان بمثابة البذرة الإلهية التي سكنت كيانها الأنثوي.. أعتقد أن الأمور قد تغيرت بعض الشيء، لقد قالها الأب متّى المسكين ولكنها بدون تفسير أيضاً. يقول: الروح القدس يحل عليك يعني احتوى روح القداسة الرحم وصاحبته. والسؤال الآن هل احتواء الروح القدس هنا احتواء أقنومي؟ فكان بمثابة البذرة الإلهية التي سكنت كيانها الأنثوي. السؤال مازال طارحاً نفسه، كيف للبذرة الإلهية أن تسكن كيان مريم الأنثوي ( الرحم )؟[7]. ونكرر مرة أخرى؛ كيف ولد يسوع من مريم ؟ كيف كان هذا الحلول الأقنومي؟ وما معنى كلمة قوة العلي تظللك؟
وأما قوة العليِّ التي ظللتها، فكانت بمثابة الحضن الأبوي للابن الوحيد الذي نزل منه. هذا وقد تكلم المفسر متى المسكين ونطق وأما قوة العليِّ التي ظللتها حضن أبوي ولكن كيف يكون للابن الوحيد؟ أعتقد أن هذا الحضن الأبوي سوف يكون لمريم! هكذا حضن الآب مريم وجاء الابن؟ هل يمكن  أن أعتبر أن هذا اغتصاب إلهي لمريم التي خطبت نفسها إلى الله؟ هل يعتبر هذا الحضن الإلهي هو السبب في تخصيب بويضة مريم لكي تجب ابن الله الوحيد؟؟ وهكذا حتماً، وبالضرورة، أخذ الجنين منذ ساعته الأولى اسمه الأزلي: »لذلك فالقدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله« وهذا ليس مجرد اسم أو لقب، بل كيان إلهي من كيان إلهي. ها قد ظهرت الحقيقة كيان إلهي من كيان إلهي أي أنه حضن أبوي لمريم جاء منه ابن الله!
وحتى نترك المجال لكل مفسر أن يدلي بدلوه، دعونا نتابع تفسير متّى هنري لنعرف ماذا يقول في هذا الموضوع
من هذه النقطة تبدأ القصيدة التي يرددها الكثير من المفسرين؛ مريم تطرح سؤالاً على الملاك - إن كان ملاكاً- ولكن هذا السؤال أمراً واقعاً لذلك يعتبره الكثير من المفسرين مدخلاً للكتابة في هذا الموضوع. ويعتقد متى هنري أن سؤال مريم منطقياً. ولكني لا أرى أي منطقية في السؤال، وهو ما قاله القمص عبد المسيح بسيط.
هنا تحدث مفاجأة غير متوقعة فمتّى هنري يعترف أن الروح القدس هو نفسه قوة العلي وهو بهذا على حد اعتقادي أول تفسير يعترف هذا.. أن حلول الروح القدس هو نفسه قوة العلي التي سوف تُظلها وهنا يجب أن نعود إلى النص الأصلي حتى نرى حقاً هل الروح القدس هو قوة العلي؟
فأجاب الملاك: «الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله.
هنا نجد حرف الواو الذي يعتبر حرف مغايرة الذي يتحدث عن شيئين مختلفين أول شيء هو الروح القدس والآخر هو قوة العلي.
The angel answered and said to her, "The Holy Spirit will come upon you, and the power of the Most High will overshadow you; and for that reason the holy Child shall be called the Son of God.
الترجمة الأمريكية القياسية تقول: "and" إذاً فالروح القدس ليست نفسها قوة العلي بل إنه أقنوم وقوة العلي أقنوم آخر. لذلك ربطُ متى هنري خطأ ولكن إذا افترضنا صحة كلامه فحلول الروح القدس الأقنومي على مريم يعتبر أيضاً اغتصاب من الروح القدس لمريم لكي تخصب البويضة. يحاول متى هنري أن يقول أن كل هذا الموضوع ببساطة سر، ودخول الروح داخلها سر.
هذا هو الحل، فكلما فشِلوا في تفسير شيء قالوا عنه أنه من الأسرار التي لا يجب الخوض فيها. فلماذا إذن يعترض النصارى اليوم على القرآن الكريم في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ" المائدة 101
مع العلم أن تفسيرهم لهذه الآية خاطئاً ولذلك وسنستعين بالتفسير الميسر حتى نوضح المعنى المقصود:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تسألوا عن أشياء من أمور الدين لم تؤمروا فيها بشيء, كالسؤال عن الأمور غير الواقعة, أو التي يترتب عليها تشديدات في الشرع, ولو كُلِّفتموها لشقَّتْ عليكم, وإن تسألوا عنها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين نزول القرآن عليه تُبيَّن لكم, وقد تُكلَّفونها فتعجزون عنها, تركها الله معافيًا لعباده منها. والله غفور لعباده إذا تابوا, حليم عليهم فلا يعاقبهم وقد أنابوا إليه.
عودة إلى موضوع بحثنا بعد هذا الاستطراد.. متّى هنري يؤكد لنا أن السبب الرئيسي لولادة يسوع هو الروح القدس وليس الله الآب. ويؤكد هذا الكلام ما نجده في كتابالإيمان الكاثوليكي - نصوص تعليمية صادرة عن السلطة الكنسية[8]
          وهنا نجد أن الروح القدس في الإيمان الكاثوليكي هو الذي أخصب العذراء وأُخذ جسد منها.. لذلك فإن سؤالنا الآن هل شارك الروح القدس الآب ويوسف النجار في الوقوع في حب مريم؟
في الموسوعة الكنسية للتفسير- العهد الجديد الصادرة عن كنيسة مارمرقس مصر الجديدة نجد ما يلي:
وهنا نرى الموسوعة الكنسية في تفسيرها لهذا النص تؤكد كلام من سبقها بأن السبب الرئيسي في ولادة يسوع هو حلول الروح القدس على مريم لتكوين الخلية الأولي الكاملة للجنين داخل الرحم.. بمعنى أن الروح القدس هو السبب في ولادة يسوع. فهل حلول الروح القدس هنا حلول جسدي أم ماذا؟ أما بخصوص قوة العلي المظللة فتتحدث الموسوعة الكنيسة عنها بأنها حضن الآب لإتمام الإنجاب الإلهي. هنا يأتي المشهد الذي ننتظره منذ بداية بحثنا.. الحضن الأبوي هو الحضن المتمم للإنجاب الإلهي. فمريم تعرضت إلى حلول من الروح القدس وحضن أبوي وهي في سن لا يتعدى الخامسة عشر من عمرها.. ولكن يظل السؤال ما هو الحضن الأبوي؟ ما هو الحضن الأبوي الذي يأتي منه جنين؟ هل هذا اغتصاب لمريم ؟ هل حلول الروح القدس مع الحضن الأبوي اغتصاب لطفلة؟؟ هل يوجد من يفسر لنا ما هو الحضن الأبوي؟
تفسير آخر لهذا الموضوع وهو تفسير وليام باركلي، ولكن قبل أن نخوض في تفسير أستاذ العهد الجديد لجامعة كلاسكو وليام باركلي لاحظت شيئاً هاماً جداً وهو أن القس مكرم نجيب الذي نقل التفسير إلى اللغة العربية ترك لنا ملاحظة في غاية الغرابة.. نتابع
أعتقد أن هذا يفتح لنا مجالاً للشك. هل المفسر وليام باركلي له رأي أخر يناقض وجهة نظر الكنيسة المصرية فقط؟ سنعرض الآن تفسير وليام باركلي الأصلي ونعلم هل ناقضه المترجم مكرم نجيب؟
Mary was betrothed to Joseph. Betrothal lasted for a year and was quite as binding as marriage. It could be dissolved only by divorce. Should the man to whom a girl was betrothed die, in the eyes of the law she was a widow. In the law there occurs the strange-sounding phrase, “a virgin who is a widow.
In this passage we are face to face with one of the great controversial doctrines of the Christian faith—the Virgin Birth. The church does not insist that we believe in this doctrine. Let us look at the reasons for and against believing in it, and then we may make our own decision.
There are two great reasons for accepting it.
1.     The literal meaning of this passage, and still more of Matthew 1:18–25, clearly is that Jesus was to be born of Mary without a human father.
2.     It is natural to argue that if Jesus was, as we believe, a very special person, he would have a special entry into the world.
Now let us look at the things which may make us wonder if the story of the virgin birth is to be taken as literally as all that.
1.     The genealogies of Jesus both in Luke and in Matthew (Luke 3:23–38Matthew 1:1–17) trace the genealogy of Jesus through Joseph, which is strange if Joseph was not his real father.
2.     When Mary was looking for Jesus on the occasion that he lingered behind in the Temple, she said, “Your father and I have been looking for you anxiously (Luke 2:48). The name father is definitely given by Mary to Joseph.
3.     Repeatedly Jesus is referred to as Joseph’s son (Matthew 13:55John 6:42).
4.     The rest of the New Testament knows nothing of the virgin birth. True, in Galatians 4:4 Paul speaks of Jesus as “born of woman.” But this is the natural phrase for any mortal man. (cp. Job 14:115:1425:4).
But let us ask, “If we do not take the story of the virgin birth literally, how did it arise?” The Jews had a saying that in the birth of every child there are three partners—the father, the mother and the Spirit of God. They believed that no child could ever be born without the Spirit. And it may well be that the New Testament stories of the birth of Jesus are lovely, poetical ways of saying that, even if he had a human father, the Holy Spirit of God was operative in his birth in a unique way.
In this matter we may make our own decision. It may be that we will desire to cling to the literal doctrine of the virgin birth; it may be that we will prefer to think of it as a beautiful way of stressing the presence of the Spirit of God in family life.
Mary’s submission is a very lovely thing. “What ever God says, I accept.” Mary had learned to forget the world’s commonest prayer—“Thy will be changed”—and to pray the world’s greatest prayer—“Thy will bedone.
لنراجع الآن ترجمة لما قاله المفسر وليم باركلي ونطرح سؤالاً لماذا أخفى المترجم هذا التفسير وقصره على وجهة نظر الكنيسة المصرية فقط؟
"مريم كانت مخطوبة ليوسف. استمرت الخطبة لمدة عام وكانت ملزمة كالزواج. ويمكن إحلالها فقط بالطلاق. تعتبر الفتاة التي يموت خطيبها في نظر القانون أرملة. في القانون تحدث الجملة غريبة الوقع " العذراء الأرملة"
في هذا المقطع نحن نواجه المبدأ الأكثر جدلاً في الإيمان النصراني.. الولادة العذرية. الكنسية لا تصر على أننا نؤمن بهذا المبدأ.
لنلقي نظرة على الأسباب التي هي مع أو ضد الإيمان به، بعد هذا يمكننا أن نكوّن قرارنا الخاص.
هناك سببان عظيمان للقبول بهذا المبدأ:
1.     المعنى الحرفي للمقطع، والمزيد من  خلال متى 1: 18-25، يتضح أن يسوع وُلِد من مريم بدون أب بشري.
2.     من الطبيعي أن نقول أن  بأن يسوع، -كما نؤمن- شخص خاص جداً، فسيكون له دخول خاص إلى هذا العالم.
الآن لنلقي نظرة على الأشياء التي تجعلنا نتساءل هل يجب أخذ قصة الولادة العذرية بشكل حرفي؟
1.  نسب يسوع في لوقا ومتى ( لوقا 3: 23-38، متى 1: 1-17)، تتبع نسبه يسوع من خلال يوسف، مما يجعله غريبا إن لم يكن يوسف هو أبوه الحقيقي.
2.  عندما كانت مريم تبحث عن يسوع في المهرجان عندما كان يمشي تباطأ وراء المعبد، قالت: " أبوك وأنا كنا نبحث عنك بقلق" لوقا 2:48. اسم الأب أطلق بشكل قاطع من مريم على يوسف.
3.     بشكل متكرر يشار إلى يسوع بأنه ابن يوسف (متى 13-55، يوحنا 6: 42).
4.  بقية العهد الجديد لا يعرف شيئاً عن الولادة العذرية. حقيقة، في غلاطية 4:4 بولس يتحدث عن يسوع بأنه "مولود من امرأة"، ولكن هذه هي الجملة الطبيعية لأي إنسان بشري (cp. Job 14:115:1425:4)
ولكن دعونا نتساءل: إذا لم نأخذ قصة الولادة العذرية حرفياً، فكيف ظهرت؟
اليهود لديهم مقولة أنه في ولادة كل طفل يوجد ثلاثة آباء، الأب والأم وروح الله. يؤمنون أنه لا يمكن أن يولد طفل بدون الروح. ولهذا من الجيد أن قصص ولادة يسوع في العهد الجديد، جميلة، مع طرق شاعرية لقول هذا، حتى لو كان له أب بشري، فإن الروح القدس من الله كان له دور فعال في هذه الولادة بشكل فريد.
بهذا الشكل نستطيع أن نكون رأينا الخاص، يبدو أننا سنتمسك بالمبدأ الحرفي للولادة العذرية، ولربما  نعتقد أنها طريقة جميلة لإثبات أهمية حضور روح الله في العائلة.
طاعة مريم وخضوعها لشيء جميل جداً، " مهما يقول الرب، أنا أقبل". مريم تعلمت أن تنسى صلوات الناس العامة، " ليأت ملكوتك – ولتصلي صلاة العالم الأعظم- لتكن مشيئتك" انتهى.
وهنا نطرح سؤالاً هاماً لماذا حذف المترجم ما قاله المفسر الدكتور وليم باركلي؟ أعتقد أن الإجابة واضحة. وهي أن المفسر يحاول بأمانة نقل كل وجهات النظر المطروحة بأمانة الباحث وفي نهاية كلامه يعرض وجهة نظره هو. ولكنه -المترجم- اختصر الوقت وطرح وجهة نظر الكنسية المصرية فقط؟ ولكن هل ما قاله المفسر يحتوي على حل لموضوع البحث؟ إن ما طرحه هو قبول النص بالمعنى الحرفي وعرض وجهة نظر أخرى ورفضها في نهاية التفسير أما بخصوص وجه النظر الأخرى فهي ما قاله اليهود من تكوين الجنين من أب وأم وروح الله. و يقول أيضا أن لروح الله دور في هذا الموضوع. ولكن هل أقتنع اليهود بالفعل أن يوسف النجار هو والد الطفل؟  أمامنا رأيان:
1.     رأي يقول أن اليهود اتهموا مريم بالزنا مع الجندي الروماني.. وهذا ما قاله وليم باركلي في تفسيره ليوحنا.
2.     رأي يقول أن اليهود قالوا أن والد يسوع هو يوسف النجار.
وهذا يعني أن اليهود لم يتفقوا بالنسبة لوالد يسوع ؟ ولكن إذا رجعنا إلى ما عرضه وليام باركلي عن هذا الموضوع نجد أنه قال أن الأشياء التي تجعلنا نأخذ نفكر في أخد موضوع ولادة يسوع بشكل حرفي.. ويؤكد أن الإنجيل نفسه يذكر لنا في عدة مواضع أن يسوع ابن يوسف النجار؟ أمامنا الآن مشاكل كثيرة منها:
1.     هل الله الآب هو من أنجب يسوع؟
2.     هل الروح القدس هو من أنجب يسوع؟
3.     هل الجندي الروماني هو والد يسوع ؟
4.     هل يوسف النجار هو والد يسوع؟
سوف نستبعد أن الجندي الروماني هو والد يسوع.. وهذا لأن النصارى رفضوا هذا الكلام.. ولكن هل يستطيعون أن يثبوا أن يوسف النجار ليس والد يسوع؟ ما قاله المفسر وليم باركلي يحتاج إلى دراسة، هل عندما ذكرت مريم ليسوع أنها كانت تبحث عنه هي وأبوه (يوسف النجار) هل كانت تخفي عنه المفاجأة أنه ابن الله؟ هل عندما كانوا يخبرونه بأنه ابن يوسف النجار هل أخفوا أيضاً حقيقة أنه ابن الله؟  أعتقد أن خيوط  الموضوع تشابكت ولربما لهذا ترك المترجم كلام وليم باركلي!
سنكتفي بما قاله وليم باركلي والذي أعلن بعد عرض جميع وجهات النظر أنه سوف يقبل وجهة النظر التي تقول بالتمسك بالتفسير الحرفي!
تفسير وليم ماكدونالد والذي نرى فيه الهروب من تفسير القصة:
"بشارة الملاك بولادة ابن الإنسان:
ينمُّ سؤال مريم «كيف يكون هذا؟» عن التعجّب، لا عن الشك. فكيف يمكن أن تحبل ولا علاقة لها برجل؟ وإذ لم يُسهب الملاك في الكلام، كان فحوى الجواب: ولادة عذراوية. إنها لَمعجزة حيث الروح القدس يحلّ عليها وقوّة العليّ تظلّلها. وهكذا، فبالمنظار البشري لا حلّ لسؤال مريم، لكن جواب الله هو «الروح القدس...». فلذلك أيضًا القدّوس المولود منك يُدعى ابن الله. وكم تسمو هذه الكلمات في التعبير عن التجسّد. فإنّ ابن مريم ما هو إلا الله وقد ظهر في الجسد. حقًّا إنّ كلّ كلام يُقصِّر عن التعبير عن عظمة هذا السرّ!"
تفسير الكنز الجليل في شرح الإنجيل للدكتور وليم إدير:
هنا يحاول الدكتور وليم الهروب من شرح العدد ويظل السؤال كيف ولد يسوع؟ ولكننا نستطيع أن نؤكد أن الروح القدس ليس هو قوة العلي.
بهذا نصل إلى نهاية المطاف ولكن قبل النهاية بجب أن أذكر كلام بعض الآباء عن هذه القصة.
يقول القديس غريغوريوس النيسي في كتاب ميلاد المخلص: "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي يظللكفماذا قال جبرائيل؟ وأيه غرفة عرس سيقدم لهذا الزواج النقي؟ (( الروح القدس يقول الملاك )) الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك.اه  أيتها الأحشاء الطوباوية التي جذبت الخيرات الكثيرة للنفس الإنسانية بسبب تلك النقاوة الوفيرة . إن النفس النقية هي فقط التي يمكنها أن تقبل حضورة الروح القدس بالنسبة لسائر البشر الأخرين أما هنا ( في حالة العذراء ) فالجسد صار إناء للروح القدس (( قوة العلي تظللك )) ماذا يعني هذا الكلام السري؟ يعني أن (( المسيح هو قوة الله وحكمة الله كما يقول الرسول بولس .إذا فقوة الله العلي الذي هو المسيح يكون جسداً لنفسه في بطن العذراء بحلول الروح القدس عليها. بمعني أنه كما أن ظل الأجسام يأخذ شكل الجسم الذي يسبق هكذا فإن ملامح وصفات ألوهية الابن ستُعلن فى حيلها. ستظهر في قدرته عندما يولد فالصورة والختم والظل وبهاء المصدر سيُتعلن بأعمال معجزية."
ويظل السؤال معلقاً لماذا الهروب من الإجابة على هذا السؤال؟ من الملاحظ أن جميع المفسرين يحاولون تفسير الجزء الأول من العدد منذ سؤال مريم للملاك وكأنما هو دفاع عما قاله اليهود تجاه مريم واتهامها بالزنا أو زواجها من يوسف النجار..  ولكن الملاحظ على كلام غريغوريوس أنه جعل السبب الرئيسي في ولادة يسوع هو الروح القدس وجعل مريم الإناء. وهنا السؤال كيف دخل الروح القدس في مريم ؟ كيف وضع الروح القدس الإخصاب في إناء مريم ؟ لتعلموا فقط أن القرآن الكريم حسم المسألة في هذا الميلاد المعجز، أما بخصوص الكتاب المقدس والعاملين على تفسير الكتاب المقدس فلم يجدوا تفسيراً لهذه المشكلة حتى وقتنا الحالي.
أعتقد أن مسألة ولادة يسوع أصبحت مشكلة من القرون الأولى تواجه مفسري الكتاب المقدس. ويقول غريغوريوس أن قوة العلي تظللك يعني أن المسيح هو قوة الله وحكمة الله! أعتقد حقاً أن هذا كلام سري كما قال غريغوريوس..كلام سري!!
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم كتاب ميلاد المسيح[9]:
وهذا الميلاد السماوي هو حقيقي والميلاد الأرضي أيضاً هو حقيقي – غير كاذب – بالحقيقة ولد إله من إله. وبالحقيقة هو نفسه ولد إنساناً من العذراء هو وحده في السماء الابن الوحيد الجنس الذي ولد من الأب بينما على الأرض هو وحده بذاته، الابن الوحيد الجنس الذي ولد من العذراء. وبالضبط كما أنه في حالة ميلاده السماوي يعتبر كفراً أن نسأل عن وجود أم له هكذا فإنه يعتبر تجديف أن نقول إن له أب في ميلاده الأرضي. الأب ولد الابن بأسلوب يفوق الإدراك بينما العذراء ولدته محتفظة بنقاوتها لأنه ولده بأسلوب إلهي وليس كالبشر والعذراء لم يصبها فساد لأنها ولدته بالروح القدس. وعليه فلا ميلاده السماوي يمكن أن يُشرخ ولا ظهوره في ملء الزمان كإنسان يقبل البحث لمزيد من الفهم. لا يجب أن يفكر المرء في كيفية هذه الولادة ولكن فقط أن يؤمن بقوة ذلك الذي وُلد، لأنه ناموس طبيعي أن تلد امرأة متزوجة من رجل. ولكن عندما ولدت العذراء والتي لم تعرف رجلاً وبقيت أيضاً عذراء فإن هذا الحدث يظل فوق النواميس الطبيعية. ما يحدث وفقاً لأسلوب يفوق الطبيعية فلنحترمه بصمت لا كشيء يجب أن نتجنبه ولكن كشيء لا يمكن شرحه ولهذا يجب أن تحترمه بصمت"
وهكذا وبعد كلام يوحنا ذهبي الفم يجب أن نعرف أنه يصعب على مفسري الكتاب المقدس إيجاد حل لهذه الولادة وهنا نرى أن يوحنا وجد الحل وهو: نسكت ونحترم! هذا هو حل ولادة يسوع من مريم نسكت ونحترم. بعد أن سرد يوحنا ذهبي الفم قصة طويلة عن ميلاد يسوع من العذراء مريم ولم يجد الحل في طريقة الولادة، وما هية قوة العلي التي ظللت مريم! كل ما قصه يوحنا هو أبعاد فكرة زواج مريم من يوسف النجار. وللعلم كما قلنا فإن اليهود وقتها توقعوا أنه ابن يوسف النجار بدليل أنهم لم يرجموها!
سوف أكتفي في هذه المرحلة بعرض ما قاله المفسرون حول هذا الموضوع. وسوف نراجع ما ذكرته التراجم الأجنبية:
(BBE)  And the angel in answer said to her, The Holy Spirit will come on you, and the power of the Most High will come to rest on you, and so that which will come to birth will be named holy, Son of God. [10]
تقول هذا الترجمة أن قوة العلي سوف تستريح بداخلك! نعم.. معنى ذلك أنها لن تظللها فقط إنما هي تدخل بداخلها.. أليس هذا اغتصاب من قِِبل الرب لمريم؟ وهذه ترجمة أخرى تؤكد الكلام الذي ذكرته الترجمة الأولى:
 (GNB)  The angel answered, "The Holy Spirit will come on you, and God's power will rest upon you. For this reason the holy child will be called the Son of God.[11]
تقول الترجمة أن قوة العلي سوف تدخل وتستريح بداخل مريم. مرة أخرى إثبات لحالة الاغتصاب التي حدثت لمريم.. وهنا يعتبر هذا الكلام هو تفسير لما يتهرب منه المفسرين من خلال الابتعاد كل الابتعاد عما يفسر قصة ميلاد يسوع!
أعتقد أننا قد عرضنا وجهات النظر المختلفة ووجدنا أنهم لم يصلوا بعد هذا كله إلى الحل... ماذا حدث لمريم كي تلد بيسوع ؟! وبهذا نصل إلى النهاية.. ولكن لماذا هذا البحث؟؟
أعتقد أن البحث أراد بكل مصداقية طرح فكرة هي: هل الكتاب المقدس قادر على أن يرد على أسئلة الباحثين؟؟ هل الكتاب المقدس الذي أهتم بدخول يسوع على جحش وأتان أن يرد على كيف ولد يسوع ؟ هل يستطيع الكتاب المقدس الرد على أسئلة المسلمين بشكل عام والباحثين بشكل خاص؟ أعتقد أننا في نهاية هذه الرحلة توصلنا إلى أن جميع المفسرين لم يصلوا إلى حل لهذه المشكلة.
يا نصارى العالم إن لم يكن الكتاب المقدس قد وضع حلاً لهذه المشكلة فهل هو كلام الله؟!
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.. ونشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكملته ألقاها إلى مريم.

أبو معاذ السلفي

 
[1]انظر كتابه العذراء حياتها ورموزها وألقابها فضائلها تكريمها
[2] راجع كتاب المجمرة الذهبية للدكتور سمير هندي
[3] راجع بحث الأخ معاذ عليان (علماء المسيحية يصرخون بنكاح العذراء في الثانية عشر من عمرها) للمزيد
[4] توفي في مايو 1890
[5] سفر التكوين من الإصحاح الأول إلى العدد الثاني من الإصحاح الثاني.
[6] راجع بحث الأخ معاذ عليان: علماء المسيحية يصرخون بإتهام اليهود لمريم بالزنا
[7] أود أن أنوه إلى أننا نحاول أن نصل إلى هذه الحقيقة من خلال تجميعٍ لكافة البيانات عن هذه الحادثة لكي تكون لدينا معلومة موثقة عن هذه الحادثة
[8] قدم له الأب جرفيه دوميج اليسوعي -نقله للعربية الأب صبحي حموي اليسوعي ص 181
[9] وجب التنويه على أنّي أنقل لكم من إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية والذي يختلف عما هو موجود في ترجمة قبطية أخرى لهذه العظة منشورة على موقع رب المجد
[10] 1965 Bible in Basic English  
[11] Good News Bible


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق