مذنبٌ كما قال القرآن !
قالوا : إن القرآنَ الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم يعترفُ بأن رسول الإسلام مذنب وأنتم أيها المسلمون تقولون : الأنبياء معصومون ومن بينهم محمد رسول الإسلام ! واعتمدوا في شبهتهم على قوله سبحانه وتعالى : ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [ (محمد19 ).
الرد على شبهة ان الرسول مذنب
أولاً : إن الأنبياءَ معصومون من الكبائرِ دون الصغائر، وإن فعلوا صغيرة تابوا إلى اللهِ منها، فهم لا يصرون على فعلِ صغيرةٍ ، ولا يقعون في محقراتِ الصغائرِ ، وهذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ، والجماهير من أهلِ العلمِ لعدةِ أدلةٍ منها :
1- الحديث الذي رواه الترمذيُّ ، وابنُ ماجةَ ، والحاكم ، وصححه الإمام الألباني في صحيحِ الترغيبِ والترهيب برقم 3139 عن أنسٍ- رضي الله عنه- أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " كل ابنِ آدمَ خطاء وخير الخطائين التوابون ".
2- الحديث الذي رواه أحمدُ في مسندِه برقم 2600 ، وصححه الألبانيُّ في السلسةِ الصحيحةِ برقم 2984 عَنِ ابْن عباس أَن رسول الله قَالَ:" مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ".
وبالتالي فإن الأنبياءَ قد تقع منهم بعض الصغائرِ، وهي ليست كالصغائرِ التي نقع نحنُ فيها بل هي من باب ( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) وبالتالي أقول: ـ من دلائلِ نبوتِه أنه صلى الله عليه وسلم كانت حياته ظاهرة للجميع فلا يوجد زعيمٌ من الزعماءِ ، أو رئيسٌ من الرؤساء إلا وتجد الغموض في معظم ِ حياته إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - فكانت حياته كالكتابِ المفتوح لكلِ الناسِ حتى يعرفوها ويطلعوا عليها، فأين هي هذه الذنوب التي جاءت في سيرتِه العطرةِ ، أو في كتابِ اللهِ ؟
قلت : لن يجدوا ،وعليه فإن ما سبق هو توضيح وتصحيح لقولِهم : أنتم أيها المسلمون تقولون: الأنبياء معصومون ومن بينهم محمد رسول الإسلام، فالعصمة من الكبائرِ دون الصغائر .
ثانيًا: إن معنى قوله سبحانه وتعالى للنبيِّ صلى الله عليه وسلم:] واستغفر لذنبك[ (محمد19) ؛ يكون على وجهين :
الأول : أن يستغفر من الأمورِ التي اجتهد فيها - من غيرِ وحيٍّ- اجتهادًا حسنًا ، ولكنه صلى الله عليه وسلم ترك ما هو أحسن (ترك الأولى) ، ومما لاشك فيه أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم كانت تصدر عنه بعض الأفعالِ التي لم يوح إليه شيء بخصوصها ، وكان أمرها متروكًا لاجتهادِه الخاص فكان أحيانًا يختار الفعلَ الحسنَ ويترك الأحسن ، وعدم إصابته في ذلك باعتبار مكانته تعد ذنبًا وهي من باب( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) نظرًا لمكانته في العلمِ والعقلِ.... من جملةِ هذه الأمور التي اجتهد فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم اجتهادًا حسنًا وترك ما هو أحسن ما يلي :
1 ] -عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [(التوبة43). عفا الله عنك -أيها النبي- عمَّا وقع منك مِن تَرْك الأولى والأكمل، وهو إذنك للمنافقين في القعود عن الجهاد، لأي سبب أَذِنْتَ لهؤلاء بالتخلف عن الغزوة، حتى يظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم وتعلم الكاذبين منهم في ذلك؟ أهـ التفسير الميسر.2] - مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [(الأنفال67). ونزل لما أخذوا الفداء من أسرى بدر : { مَا كَانَ لنبيٍّ أَن يَكُونُ } بالتاء والياء { لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض } يبالغ في قتل الكفار { تُرِيدُونَ } أيها المؤمنون { عَرَضَ الدنيا } حطامها بأخذ الفداء { والله يُرِيدُ } لكم { الآخرة } أي: ثوابها بقتلهم { والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ } وهذا منسوخ بقوله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } .أهـ تفسير الجلالين .
3] -عَبَسَ وَتَوَلَّى ]1[ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ]2[ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ]3[ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ]4[ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ]5[ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى]6[ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ]7[ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ]8[ وَهُوَ يَخْشَى ]9[ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ]10[ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ]11[[. { عَبَسَ } النبي صلى الله عليه وسلم : كلح وجهه { وتولى } أعرض لأجل . { أَن جآءَهُ الأعمى } عبد الله بن أم مكتوم فقطعه عما هو مشغول به ممن يرجو إسلامه من أشراف قريش الذين هو حريص على إسلامهم ، ولم يدر الأعمى أنه مشغول بذلك فناداه ، علمني مما علمك الله ، فانصرف النبيُّصلى الله عليه وسلم إلى بيته فعوتب في ذلك بما نزل في هذه السورة ، فكان بعد ذلك يقول له إذا جاء : «مرحباً بمن عاتبني فيه ربي ويبسط له رداءه» .أهـ تفسير الجلالين.
الثاني : ما جاء في تفسيرِ الجلالين لقولِه تعالى:] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [ (محمد19).{ فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إلا الله } أي: دم يا محمد على علمك بذلك النافع في القيامة { واستغفر لِذَنبِكَ } لأجله قيل له ذلك مع عصمته لتستنّ به أمته وقد فعله قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة» { وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } فيه إكرام لهم بأمر نبيهم بالاستغفار لهم { والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } متصرفكم لأشغالكم بالنهار { وَمَثْوَاكُمْ } مأواكم إلى مضاجعكم بالليل ، أي: هو عالم بجميع أحوالكم لا يخفى عليه شيء منها فاحذروه ، والخطاب للمؤمنين وغيرهم. أهـقلت: إنه تفسير رائع فالخطاب له في أمتِه لتستن به صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أنه ليس له ذنبٌ ، وأنه مغفورة خطاياه التي لم يعملها قوله سبحانه وتعالى :] لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً [ (الفتح2). و ما ثبت في صحيحِ البخاري بَاب{ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } برقم 4460 عن عائشة رضي الله عنها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقالت عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا".
وفي راويةِ مسلمٍ بَاب (إِكْثَارِ الْأَعْمَالِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ ) برقم 5046 عن عائشة قالت كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه قالت عائشة يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورانلاحظ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُنكرعليها أنه غُفر له ما تقدم من ذنبِه وما تأخر،وعلل صلى الله عليه وسلم بقولِه :" أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا ا".
ثالثًا : إن قيل : لماذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يستغفر ؟ قلت : إن الاستغفارَ لا يشترط أن يكون من ذنبٍ في كلِ الأحوالِ ؛ فقد علمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نقول بعد الصلاةِ : استغفر الله ثلاثا في حين أننا كنا نصلي ولم نرتكب معصية !
فنحن نستغفر الله بعد الصلاةِ ؛ لأنه قد يقع منا قلة خشوع في الصلاةِ فنستغفر اللهَ على ذلك.
وجاء في الحديثِ الذي رواه أبو داود في سننه برقم 1297 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب". ضعفه الألباني في سننِ أبي داود برقم 1518
والحديث معناه قريب من قولِه سبحانه وتعالى عن نوحٍ :] فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ]10[ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ]11[ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ]12[ [(نوح ).إذًا الاستغفار يكون سببًا في اتساعِ الرزقِ ، والمددِ من اللهِ ، ورفعِ الهمِ... ولا يشترط من معصية كما أسلفتُ،فالله لم يحرم الأنبياءَ من عبادةِ الاستغفار لأنه يحبها.
رابعًا : إن الكتاب المقدس يذكر أنبياءَ اللهِ بأوصافٍ غيرِ لائقةٍ ! فمن المفترضِ أنهم أسوةُ للبشرِ نجدهم يزنون زنا المحارم ، ويسكرون ، ويرقصون عراة ، ويكذبون..... حتى المسيح عليه السلام ما سلم من الأخطاءِ الكثيرةِ التي نُسِبت إليه ، وذلك بحسب ما كتبه كتبةُ الأناجيل الذين جعلوه مذنبًا فعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر الآتي :1- وصفه كاتبُ إنجيل يوحنا بأنه يكذب على إخوتِه حينما طلبوا منه الصعود للعيد فقال : إني لست بصاعد ثم صعد بعدها في الخفاء ! نجد ذلك في إنجيل يوحنا إصحاح 7 عدد 8 اصعدوا انتم الى هذا العيد.انا لست اصعد بعد الى هذا العيد لان وقتي لم يكمل بعد». 9 قال لهم هذا ومكث في الجليل. 10 ولما كان اخوته قد صعدوا حينئذ صعد هو ايضا الى العيد لا ظاهرا بل كانه في الخفاء.2- وصفه كاتب إنجيل يوحنا بأنه يسبُ الأنبياءَ جميعًا ، ويقول عنهم: " سراق و لصوص " !نجد ذلك في إنجيل يوحنا إصحاح 10 عدد 7
فقال لهم يسوع ايضا الحق الحق اقول لكم اني انا باب الخراف جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص.ولكن الخراف لم تسمع لهمْ.
3- وصفه كاتب إنجيل لوقا بأنه سب الفريسيين قائلاً لهم :" يَا أَغْبِيَاءُ " ، وذلك في الإصحاحِ 11 عدد40 يا اغبياء أليس الذي صنع الخارج صنع الداخل ايضا. بل اعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شيء يكون نقيا لكم4- تصفه الأناجيل بأنه يسب المؤمنين من اليهود (الحواريين (،كما يلي :
- قال لبطرس كبير الحواريين : " يا شيطان " (متى 16 / 23).
- وسب آخرين منهم بقوله : " أيها الغبيان والبطيئا القلوبفي الإيمانِ " لوقا ( 24 / 25( ....ونبرأ إلى اللهِ مما وصف به المسيح عليه السلام من مثلِ هذه الأوصاف ! مع العلمِ أن المنصّرين يعتقدون أن الجميع زاغوا وفسدوا إلا المسيح فقط الذي هو بلا خطيئة ! ويستشهدون على ذلك بما قاله يسوعُ لليهود في إنجيلِ يوحنا إصحاح 8 عدد 46 من منكم يبكّتني على خطية.فان كنت اقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بيقلت : ترد عليهم النصوص السابقة وغيرها التي تنسب إلى يسوعَ أنه يسب ! أليس السب خطيئة؟!
ويرد عليهم قول يسوع نفسه أنه ليس صالحا بل هو بشر له أخطاء ، فالصالح وحده هو الله الذي بلا خطيئة ؛ ثبت ذلك في إنجيل لوقا إصحاح 19وسأله رئيس قائلا ايها المعلّم الصالح ماذا اعمل لأرث الحياة الابدية؟» 19فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا.ليس احد صالحا الا واحد وهو الله.
فالواضح من النصين التعارض البيّن : نص يقول فيه : " من منكم يبكّتني على خطية" أي: من منكم يثبت علي خطأ فعلته ؟ ونص يقول فيه :"فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا.ليس احد صالحا الا واحد وهو الله " أي: لماذا تقولون عني أني صالحٌ لا أفعل أخطاء ، الصالحُ الذي بلا خطيئة هو اللهُ وحده ، كما أن هذا النصَ فيه دليلٌ واضحٌ على عدمِ ألوهيتِه بخلافِ ما يعتقد المنصّرون أصحاب الشبهة .أكرم حسن مرسي
http://www.burhanukum.com/article811.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق