الرد على شبهات رشيد حول انشقاق القمر (الحلقة 92)
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ، اللهم صلِّ على محمد و على آله و أصحابه و أتباعه إلى يوم الدين ، و سلم تسليماً كثيراً أما بعد...
فهذا رد على شبهات رشيد حول معجزة إنشقاق القمر التى أثارها فى الحلقة (92) و الجزء الثانى من هذه الحلقة الخاص بالإسراء و المعراج سنفرد له رداً مستقلَّاً إن شاء الله ، و أبدأ مستعيناً بالله الرد.
القرآن ينفى وجود معجزة للنبي صلى الله عليه و سلم
الدقيقة ( 6:29) ، و الدقيقة (13:40) :
أولاً: لقد استدل وحيد و رشيد بعدة آيات فى القرآن الكريم على أن النبي صلى الله عليه و سلم ليس له معجزات بنص القرآن مثل قوله تعالى فى سورة الإسراء الآية 59 : (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ) ، و قوله تعالى فى سورة الرعد الآية 7: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، و قوله تعالى فى سورة الرعد الآية 27 : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)
و الرد على هذا الإستدلال أن هذه الآيات ليست عامة تشمل كل معجزات النبي صلى الله عليه و سلم بل نزلت هذه الآيات عندما طلب المشركون من النبي صلى الله عليه و سلم آيات و معجزات على وجه العناد و التكبر و حددوها بعينها : أن يحول لهم الصفا ذهباً ، و أن يجعل مكة مروجاً و أنهاراً ، و يصعد النبي صلى الله عليه و سلم إلى السماء على سلم و يأتى بشهود من الملائكة على نبوته صلى الله عليه و سلم ، فأنزل الله عز و جل هذه الآيات القرآنية رداً على تحديهم ذلك و هذه الآيات التى طلبوها بعينها و ليس كل معجزات النبي صلى الله عليه و سلم ، فالمراد بقوله تعالى : ( و ما منعنا أن نرسل بالآيات ) أى هذه الآيات التى طلبوها و ليس كل الآيات و معجزات النبي صلى الله عليه و سلم .
قال الشوكانى فى فتح القدير:
[ ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) قال المفسرون : إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً و أن ينحى عنهم جبال مكة فأتاه جبريل فقال :" إن شئت كان ما سأل قومك و لكنهم إن لم يؤمنوا بها لم يمهلوا ، و إن شئت استأنيت بهم "فأنزل الله هذه الآية ، والمعنى : وما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين ، فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله سبحانه في عباده ، فالمنع مستعار للترك ، والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء ، أي : ما تركنا إرسالها لشيء من الأشياء إلا تكذيب الأولين ، فإن كذب بها هؤلاء كما كذب بها أولئك لاشتراكهم في الكفر والعناد حل بهم ما حل بهم](1)
و الله عز و جل قادر على أن ينفذ لهم ما طلبوا لكنه لم يحققها لهم لأنه عز و جل يعلم أنهم سيكذبون بها و لو نفذ الله عز و جل لهم هذه المعجزات و كذبوا بها سيهلكهم الله عز و جل كما أهلك من قبلهم لتكذيبهم بالآيات كقوم صالح ، فخيَّر الله عز و جل رسوله صلى الله عليه و سلم بين أمرين : إما أن ينفذ لهم ما طلبوا من المعجزات لكنه لن يمهلهم بعد ذلك و إذا كذبوا بها سيهلكهم ، و إما أن يملهم و لا يحقق لهم ما طلبوا فهم سيكذبون بهذه الآيات فى النهاية فلا يهلكهم الله عز و جل فإنه قد يظهر منهم من يؤمن بعد ذلك ، فاختار النبي صلى الله عليه و سلم الخيار الثانى كما ورد فى كلام الشوكانى رحمه الله.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
[ و كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم الآيات فمنها ما يأتيهم الله به لحكمة أرادها الله سبحانه و تعالى ، فمن ذلك أنهم سألوه أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر و أنزل قوله تعالى ( اقتربت الساعة و انشق القمر) .... و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم طلب من الآيات – التى يقترحون-رغبة منه فى إيمانهم فيجاب بأنها : لا تستلزم الهدى بل توجب عذاب الاستئصال لمن كذب بها ](2)
قال ابن كثير تفسيره :
[قال سنيد عن حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون يا محمد إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء فمنهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى فإن سرك أن نؤمن بك ونصدقك فادع ربك أن يكون لنا الصفا ذهبا فأوحى الله إليه إني قد سمعت الذي قالوا فإن شئت أن نفعل الذي قالوا فإن لم يؤمنوا نزل العذاب فإنه ليس بعد نزول الآية مناظرة وإن شئت أن نستأني بقومك استأنيت بهم قال يا رب استأن بهم وكذا قال قتادة وابن جريج وغيرهما.....ولهذا قال تعالى ( وما منعنا أن نرسل بالآيات ) أي نبعث الآيات ونأتي بها على ما سأل قومك منك فإنه سهل علينا يسير لدينا إلا أنه قد كذب بها الأولون بعدما سألوها وجرت سنتنا فيهم وفي أمثالهم أنهم لا يؤخرون إذا كذبوا بها بعد نزولها كما قال الله تعالى في المائدة: ( قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين )](3)
و نفس الأمر بالنسبة لآيات سورة الرعد كما قال ابن كثير فى تفسيره للآية السابعة من هذه السورة.
قال ابن كثير:
[يقول تعالى إخبارا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا : لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون ، كما تعنتوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن يزيل عنهم الجبال ، ويجعل مكانها مروجا وأنهارا ، قال الله تعالى) : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا (](4)
ثانياً: تعليق وحيد على قوله تعالى :" و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذَّب بها الأولون.." و قوله : ( الأولون لم يُكَذّبوا ) من المفترض أن لا يقوله شخص مثل وحيد يدّعى أنه دارس للقرآن و متمكن من القضايا التى يطرحها على قناة الحياة ، فإن الأمم السابقة التى أرسل الله عز و جل إليها الرسل كذبوا بالرسل و الرسالات ، فيقول الله عز و جل حكايةً عن قوم ثمود فى سورة الشمس : ( كَذَّبَتْ ثَمُود بِطَغْوَاها * إذِ انبَعَثَ أشْقَاْها*فَقَال لَهُم رَسول الله نَاْقَةَ الله وَ سُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوْه فَعَقَروها ) فهذا مثال لقوم ثمود الذين كذبوا بآية الناقة و هذا مذكور حتى فى الآية 59 من سورة الإسراء التى استدل بها وحيد ، بل حتى اليهود كانوا يكذبون بآيات المسيح عليه السلام كما سيأتى معنا فى نهاية الرد ، فيا ترى على أى أساس قال وحيد هذا الكلام؟
ثالثاً: إن كان وحيد و رشيد يستدلان بهذه الآيات التى وردت فى القرآن و المراد بها معجزات مُعَيّنة طلبها المشركون من النبي صلى الله عليه و سلم و ليس كل معجزات النبي صلى الله عليه و سلم على نفى كل معجزات النبي صلى الله عليه و سلم ، فعليهم أن يستدلوا بأعداد مثل ذلك موجودة فى الإنجيل أيضاً على نفى معجزات المسيح عليه السلام بالكلية:
إنجيل مرقس الإصحاح 8 العدد 11-13
11:فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ.12: فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ: لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً!
13: ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَدَخَلَ أَيْضًا السَّفِينَةَ وَمَضَى إِلَى الْعَبْرِ.
المراد بانشقاق القمر هو انشقاقه يوم القيامة و ليس المعجزة
الدقيقة (6:58) ، الدقيقة (11:25) :
أولاً: أما قوله تعالى : ( يَوْمَ يَدْعُ الدَّاْع الدَّاْعِي إِلَى شَئ نُكُر ) فأنت يا وحيد قرأت الآية خطأ ، فقد قَرَأتها بفتح الكاف لكن الكاف فى ( نكر ) مضمومة و ليست مفتوحة كما نطقتها.
و إن كنت يا وحيد تستدل بالآية (6) على أنك تستدل بالسياق ، فالأولى إذاً أن تستدل بالآية رقم ( 2) فى سورة القمر فهى الأقرب فى السياق للآية الأولى و هى تقول : ( و إن يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر. )
و قوله ( يروا) دليل على أنهم رأوا انشقاق القمر فى الدنيا و كذبوا بهذه المعجزة و قالوا عنها سحر ، و هذه الآية أقرب فى السياق للآية الأولى ، فالإستدلال بالسياق هنا يثبت أن انشقاق القمر حدث فى الدنيا.
و قوله تعالى : ( فتول عنهم ) ليس مرتبطاً بقوله تعالى ( يوم يدع الداع إلى شئ نكر)
بل المعنى انتهى عند قوله تعالى ( فتول عنهم ) ثم بدأ الله عز و جل معنى جديد و بدأ يتحدث عن يوم القيامة و يوم يدعون للحساب ، و لهذا قال بعض المفسرين أن التقدير: "واذكر يا محمد يوم يدع الداع..."
و لهذا تجد فوق كلمة ( عنهم ) حرف ميم فى المصحف و هو يعنى الوقف اللازم و انتهاء المعنى عند الكلمة.
قال القرطبي فى تفسيره :
[ قوله تعالى : فتول عنهم أي أعرض عنهم . قيل : هذا منسوخ بآية السيف . وقيل : هو تمام الكلام . ثم قال : (يوم يدعو الداعي) العامل في يوم (يخرجون من الأجداث) أو خشعا أو فعل مضمر تقديره : واذكر يوم . وقيل : على حذف حرف الفاء وما عملت فيه من جواب الأمر ، تقديره : فتول عنهم فإن لهم يوم يدعو الداعي . وقيل : تول عنهم يا محمد فقد أقمت الحجة وأبصرهم يوم يدعو الداعي . وقيل : أي أعرض عنهم يوم القيامة ولا تسأل عنهم وعن أحوالهم ، فإنهم يدعون إلى شيء نكر وينالهم عذاب شديد . وهو كما تقول : لا تسأل عما جرى على فلان إذا أخبرته بأمر عظيم . وقيل : أي وكل أمر مستقر يوم يدعو الداعي. ] (5)
و حتى لو افترضنا أن قوله تعالى ( يوم يدع الداع إلى شئ نكر ) تكملة لقوله تعالى (فتول عنهم ) – وهذا ذهب له البعض كما قال القرطبي- فإنه لا يدل كذلك على أن انشقاق القمر سيقع يوم القيامة بل يكون معنى الآية أنه بسبب تكذيبهم لانشقاق القمر – الذى حدث فى الدنيا - سيعرض النبي صلى الله عليه و سلم عنهم يوم القيامة يوم يحاسبون، و لا يدل كذلك على أن انشقاق القمر سيحدث يوم القيامة ، و سبق و بينا أن سياق السورة يدل على وقوع انشقاق القمر فى الدنيا.
ثانياً: قوله تعالى ( اقتربت الساعة ) ليس معناه أن انشقاق القمر سيحدث قبل وقوع الساعة مباشرة و عند اقترابها ، و إنما المراد هو اقتراب الساعة فى زمن النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد طلب وحيد تفسيراً لذلك و أقول : إن المراد باقتراب الساعة أنَّ ما بقى فى عمر الدنيا بالنسبة لما مضى منها قليل، و هذا حتى فى أيام النبي صلى الله عليه و سلم ، و قال البعض أن الساعة آتية و كل آت قريب :
قال الشوكانى فى فتح القدير:
[قوله: (اقتربت الساعة وانشق القمر) أي قربت ولا شك أنها قد صارت باعتبار نسبة ما بقي بعد قيام النبوة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة . ويمكن أن يقال إنها لما كانت متحققة الوقوع لا محالة كانت قريبة ، فكل آت قريب](6)
قال القرطبي رحمه الله فى تفسيره:
[قوله تعالى) : اقتربت الساعة وانشق القمر) اقتربت : أي قربت مثل (أزفت الآزفة) على ما بيناه . فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبة ; لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روى قتادة عن أنس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى وما نرى من الشمس إلا يسيرا ](7) و وحيد فى هذه الحلقة استدلَّ كثيراً بتفسير ابن كثير ، مما يعنى أن وحيد قرأ تفسير ابن الكثير ، و المدهش أن تفسير ابن كثير فيه ما ذكرناه لكم أن معنى اقتراب الساعة أن ما بقى فى عمر الدنيا قليل بالنسبة لما مضى منها و هذا كان موجوداً حتى فى أيام النبي صلى الله عليه و سلم و ليس المراد هو اقتراب الساعة فعلياً :
قال ابن كثير رحمه الله :
[يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها . كما قال تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ سبحانه](النحل:1) وقال :)اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون( (الأنبياء : 1) وقد وردت الأحاديث بذلك ، قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا حدثنا خلف بن موسى ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب أصحابه ذات يوم ، وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شف يسير ، فقال : " والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ، وما نرى من الشمس إلا يسيرا "قلت : هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي ، عن أبيه . وقد ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : ربما أخطأ .
حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره ، قال الإمام أحمد : حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا شريك ، حدثنا سلمة بن كهيل ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - والشمس على قعيقعان بعد العصر ، فقال : " ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا محمد بن مطرف ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بعثت والساعة هكذا" وأشار بإصبعيه : السبابة والوسطى . أخرجاه من حديث أبي حازم سلمة بن دينار ](8) وفى أحد المقاطع التى أتى بها رشيد للدكتور زغلول النجار فيها معنى ( اقتربت الساعة ) فهل وحيد يعرض شبهة قام رشيد فى نفس الحلقة بعرض الرد عليها بطريق غير مباشر !!!
ثالثاً: أتعجب من قول رشيد " العديد من المفسرين قالوا بوقوع انشقاق القمر يوم القيامة " موهماً بذلك أن من قال بأن المراد بانشقاق القمر أنه سيحدث يوم القيامة هم عدد كبير من المفسرين !!!
و الحقيقة أن هذا قول ضعيف مرجوح ذهب له القليل جداً فقط ، و رد العلماء على أصحاب هذا القول و بيَّنوا أن هذا القول غير صحيح و لا يُعْتَمَد و أن انشقاق القمر حدث فى عهد النبي صلى الله عليه و سلم ، فجمهور العلماء على وقوعه ، بل إن بعض العلماء نقل إجماعاً على حدوث انشقاق القمر فى عهد النبي صلى الله عليه و سلم كما سيأتي معنا.
قال ابن حجر فى الفتح :
[لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد بقوله وانشق القمر أي سينشق كما قال تعالى أتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك : (وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ)(القمر:2) ، فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله وانشق القمر وقوع انشقاقه لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر ووقع ذلك صريحا في حديث ابن مسعود كما بيناه قبل](9)
فإذاً جمهور أهل العلم و المفسرين على أن انشقاق القمر وقع فى عهد النبي صلى الله عليه و سلم ، بل بعض أهل العلم نقل إجماعاً :
قال ابن كثير فى تفسيره :
[وقوله) : وانشق القمر) قد كان هذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة . وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: " خمس قد مضين : الروم ، والدخان ، واللزام ، و البطشة ، والقمر" وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات ](10)
و قال الشوكانى فى تفسيره:
[و حكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة ، وقيل معنى (وانشق القمر): ضح الأمر وظهر ، والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح .
وقيل انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه وطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقا لانفلاق الظلمة عنه .
قال ابن كثير : قد كان الانشقاق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة .
قال : وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات .
قال الزجاج : زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشق يوم القيامة والأمر بيـِّن في اللفظ وإجماع أهل العلم ، لأن قوله) : وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) يدل على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة.](11)
ثانياً: الأقوال التى أتى بها رشيد كلها من تفسير القرطبي ، و القرطبي نفسه فى تفسيره بيَّن أن هذا القول ضعيف و ردَّ على أصحابه .
قال القرطبي رحمه الله فى تفسيره :
[قلت : وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة ، وهو ظاهر التنزيل ، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها ; لأنها كانت آية ليلية ; وأنها كانت باستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدي . فروي أن حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضبا من سب أبي جهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب أن يريه آية يزداد بها يقينا في إيمانه . وقد تقدم في الصحيح أن أهل مكة هم الذين سألوا وطلبوا أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر فلقتين كما في حديث ابن مسعود وغيره ](12)
هل آيات سورة القمر مقتبسة من شعر امرؤ القيس ؟
الدقيقة (10:25) :
ادَّعى وحيد أن الآية الأولى من سورة القمر : (اقتربت الساعة و انشق القمر ) مأخوذ من شعر امرؤ القيس الذي فيه :
دنت الساعة و انشق القمر * من غزال صاد قلبي و نفر
و الرد على ذلك :
أولاً: حتى البيت يا وحيد لا تحفظه جيداً ، البيت يقول : " صاد " و ليس " صاب".
ثانياً: هذا البيت لم تصح نسبته لامرئ القيس و لم يأتِ فى ديوانه و لا فى أحد كتب الشعر و الأدب المعتمدة ، و هذا من الشعر المنحول على امرئ القيس ، فكل ما بلغنا من أشعار عن امرئ القيس هو من طريق شخص اسمه حماد الراويةتــ155
قال الأصمعي :
[ كل شئ فى أيدينا من شعر امرئ القيس فهو عن حماد الراوية إلا شيئاً سمعناه من أبى عمرو بن العلاء ](13) و حماد الراوية ذاك كان ممن ينحل الشعر أى يؤلف أبياتاً و يدخلها فى شعر القدماء كامرئ القيس و غيره و ينسبه لهم
قال محمد بن سلام الجمحي:
[ أول من جمع أشعار العرب و أحاديثها حماد الراوية ، و كان غير موثوق به، و كان ينحل شعر الرجل غيره ، و ينحله غير شعره، و يزيد فى الأشعار ](14)
فإذاً هذه الأبيات مكذوبة على امرئ القيس ، و هى أبيات مكتوبة بعد نزول القرآن و منسوبة لامرئ القيس ، و قد كان الشعراء بعد نزول القرآن حتى الذين ينحلون الشعر يقتبسون بعض التعبيرات من القرآن ، و محمد ابن داود الظاهر له كتاب اسمه الزهرة عقد فيه فصلاً فيما استعان به الشعراء من القرآن الكريم.
ثالثاً: بغض النظر عن كون هذا الشعر منسوب لامرئ القيس و هو مكتوب بعد نزول القرآن ، فإن لدينا بعض النقاط التى أود أن أطرحها كتساؤلات :
1 – لو كان النبي صلى الله عليه و سلم سرق من شعر امرئ القيس لما سكتت قريش و لبينوا ذلك و قالوا أن النبي صلى الله عليه و سلم يسرق من شعرهم ، و لأجابوا على تحدى القرآن لهم أن يأتوا بسورة من مثله فبما أن القرآن من شعرهم فهم يستطيعون أن يأتوا بمثله.
2 – سنفترض أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ هذا التعبير ( اقتربت الساعة و انشق القمر) من شعر امرئ القيس ، فماذا عن باقي آيات القرآن التى جاوزت الآلاف ؟ فهل النبي صلى الله عليه و سلم سيكتب كل هذه الآيات الغاية فى البلاغة و الفصاحة و يأتي لجملتين سيحتاج فيهما لشعر امرئ القيس و يقتبس منه ؟
كما أن هذا البيت الذي يدَّعي وحيد أن القرآن اقتبس منه لا يضاهي بلاغة القرآن، بل لا يستطيع أن يصمد طرفة عين أمام النقد العلمي فهو ركيك المعنى و غير سليم لغوياً :
يبدأ البيتُ ب" اقتربت الساعة"، إن كان المراد به اقتراب يوم القيامة ، فالجاهليون لم يكونوا مؤمنين بالمعاد، فضلاً عن ذكره فى أشعارهم و وضعه في قصائدهم.
أما إن كان المراد ساعة لقاء الحبيبة، فما المراد بقوله :" و انشق القمر " ؟، هناك احتاملين لا ثالث لهما، إمّا أنه يريد به حقيقة أنّ القمر انشق، فهذا مستحيل، لأنّ القمر لم ينشق في عهدهم بل في عهد رسول الله عليه الصلاة و السلام كما دلت على ذلك الأخبار الصحيحة، كما رواه لنا أنس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن مسعود و أنس و آخرين رضى الله عنهم جميعاً. زد على ذلك أنّ وحيد و رشيد في هذه الحلقة يشككان في انشقاق القمر، إذاً هما يستشهدان ببيت يخالف ما يحاولان إثباته، فسبحان الله !
أمّا الإحتمال الآخر، أنّ يراد به وصف الحبيبة، و هذا غير جائز، فقد كانت من عادة شعراء الجاهلية أنهم يبدأون قصائدهم بوصف المحبوبة و بشئ من الغزل و النسيب ، فإن التعبير عن جمال المحبوبة لا يكون أبداً بتشبيهه بانشقاق القمر ، فلا علاقة تربط انشقاق القمر بجمال المحبوبة، و أي حسنٍ في انشقاق القمر حتى نشبه بجمال المرأة ؟ و قد دأب العرب على تشبيه جمال المرأة بالبدر حين اكتماله، و من له أدنى علم بالشعر سيعلم ذلك جيداً.
فهل هذه الركاكة تضاهي القرآن الكريم في فصاحته و جمالية لغته ؟ لا و رب العزة.
رواة معجزة إنشقاق القمر و الشبهات حولـهم
الدقيقة (17:20) إلى (21:27):
أولاً: لقد ادَّعى رشيد أن رواة قصة انشقاق القمر هم خمسة رواة فقط ، و هذا خطأ بل رواة قصة انشقاق القمر ستة رواة
قال ابن كثير فى البداية و النهاية :
"فصل في انشقاق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ...رواية أنس بن مالك...رواية جبير بن مطعم ...رواية حذيفة بن اليمان...رواية عبد الله بن عباس...رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب...رواية عبد الله بن مسعود"(15) إذاً الروايات ستة
1- رواية أنس بن مالك
2- رواية جبير بن مطعم
3- رواية حذيفة
4- رواية عبد الله بن عباس
5- رواية عبد الله بن عمر
6- رواية عبد الله بن مسعود رضى الله عنهم جميعاً
فرواة القصة إذاً ستة رواة و ليس خمسة كما قال رشيد ، فهل يا ترى رشيد كان يعلم هذا ثم كذب على المشاهدين ، أم رشيد ليس دقيق البحث ؟
و الرواية السادسة التى لم يأتِ بها رشيد و هى رواية حذيفة رضى الله عنه : روى أبو نعيم في (الدلائل) من طريق عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: )اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمر(القمر:1) ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، فلما كانت الجمعة الثانية انطلقت مع أبي إلى الجمعة فحمد الله وقال مثله وزاد ألا وإن السابق من سبق إلى الجمعة، فلما كنا في الطريق قلت لأبي: ما يعني بقوله - غدا السباق - قال: من سبق إلى الجنة.
فالدكتور زغلول النجار لم يخطئ و لم يكذب عندما قال أن هناك غير هؤلاء الخمسة.
ثانياً: أما لماذا لم يرو هذه المعجزة لا أبو بكر و لا عمر و لا عثمان رضى الله عنهم جميعاً و لا أحد أعمدة الإسلام فالرد على هذا يكون من عدة أوجه :
أولاً: ليس شرطاً لصحة الرواية أن يرويها عن النبى صلى الله عليه و سلم أبو بكر و عمر و عثمان بن عفان رضى الله عنهم ، بل يكفى أن يروى الصحابي عن النبى صلى الله عليه و سلم ، و قد اشترط علماء الحديث خمسة شروط لصحة الحديث:
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
3- ضبط الرواة.
4- انتفاء الشذوذ.
5- انتفاء العلة.
قال ابن الصلاح :
" أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذى يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه و لا يكون شاذاً و لا معللاً "(16)
و لم يشترط أحد من علماء الحديث و لا حتى غير المتخصصين فى الحديث أن يكون الراوى عن النبى صلى الله عليه و سلم أبو بكر أو غيره من الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم حتى تصح الرواية بل يكفى أن يروى الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم صحابي سواء كان أبو بكر أو واحد من صغار الصحابة لأن الصحابة كلهم عدول و فى نفس المنزلة من العدالة.
ثانياً: يكفى لصحة الحديث أن يرويه عن النبي صلى الله عليه و سلم و لو صحابي واحد ، و على سبيل المثال حديث :"إنما الأعمال بالنيات ..."(17) فهذا من أهم الأحاديث فى الإسلام و وصفه بعض العلماء أنه نصف الإسلام ، و كل من يصنف فى الفقه أو الحديث يذكر هذا الحديث فى كتابه ، و لكن مع ذلك لم يرو الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا عمر بن الخطاب و لم يروه عن عمر رضى الله عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي و لم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي و لم يروه عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ، و مع ذلك فالحديث صحيح فالمهم أن يكون كل رواة الحديث ثقات أى عدول ضابطون و أن لا يكون فى الحديث شذوذ و لا علة.
ثالثاً: أبو بكر الصديق رضى الله عنه و عمر بن الخطاب لم يرويا عن النبي صلى الله عليه و سلم الكثير من الحديث بالمقارنة بغيرهما فلم يعيشا طويلاً بعد النبي صلى الله عليه و سلم و الفترة التى عاشوها كانوا مشغولين فيها بالخلافة .
رابعاً: بما أن جميع الصحابة عدول و الله عز و جل عدلهم الله عز و جل فى كتابه فلا يهم إن كان الصحابي الذى يروى عن النبي صلى الله أبو بكر و عمر رضى الله عنهما أو غيرهما المهم أن يكون صحابياً فكل الصحابة صادقون يحفظون الحديث
قال الله عز و جل :" وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " التوبة:100
خامساً: كما سبق معنا فهذه المعجزة حدثت ليلاً و شاهدها من كان مستيقظاً حينها فقد لا يكون أبو بكر و عثمان و على و عمر رضى الله عنهم ممن كان مستيقظاً حينها أو ممن كانوا مع النبى صلى الله عليه و سلم .
ثالثاً: أما بخصوص أن هذه معجزة كبيرة فكيف لا يكون هناك غير خمسة فقط هم الشهود عليها و لا يرويها إلا خمسة رواة فقط ، فعلينا أن نبيَّن أن هناك فرقاً بين أمرين :
1- من شهد معجزة إنشقاق القمر.
2- عدد رواة قصة إنشقاق القمر و أحوالهم.
فعند الحديث عن من شهد معجزة انشقاق القمر ، فنحن نتحدث عن واقعة حدثت و كان هناك أشخاص وقت حدوثها شهدوها ، و إذا ثبت ذلك نقول أن المعجزة عليها شهود كثر ، و ذلك حدث مع معجزة إنشقاق القمر فنقول أن هذه المعجزة عليها شهود كثر فقد شهدها الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم :
عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : انشَقَّ القمرُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شِقَّينِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( اشهَدوا(
الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 3636 – خلاصة حكم المحدث : صحيح
و شهدها المشركون الذين طلبوها : قال الله عز و جل : و إنْ يَروا آيَةً يُعْرضوا و يَقولوا سِحْر مُسْتمر ( القمر:2)
و شهدها من كان مسافراً حينها كذلك :
عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهما قال : انشقَّ القمرُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت قريشٌ هذا سحرُ ابنُ أبي كبشةَ فقالوا أنظروا ما يأتيكم بهِ السُّفَّارُ فإنَّ محمدًا لا يستطيعُ أن يسحرَ الناسَ كلهم قال فجاءَ السُّفَّارُ فقالوا ذلك
الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: ابن كثير - المصدر: أخرجه البخارى و أبو داوود الطيالسى فى مسنده- خلاصة حكم المحدث : إسناده قوى وله طرق.
أما عند الحديث عن رواة حديث انشقاق القمر و عددهم فهذه قضية فى علم الحديث تتعلق بحصر عدد طرق الرواية و ليس فيها دليل على عدد الذين شهدوا المعجزة ، فليس شرطاً أن كل من شاهد انشقاق القمر يروى ذلك فإن هناك كثيراً ممن شهد الواقعة و لم يروها كالمشركين الذين رأوها مثلاً ، فهذه مسألة و هذه مسألة أخرى ، و إلا إذا لم نفرِّق بين من شهد المعجزة و بين من روى المعجزات فإننا سنطبق نفس المبدأ على رشيد كذلك فتكون معجزات المسيح عليه السلام كلها ليس عليها إلا أربعة شهود فقط هم : متى – لوقا-يوحنا-مرقس.
و هم رواة الأناجيل الأربعة ، فإن معجزات المسيح عليه السلام كلها موجودة فى هذه الأناجيل و هى أربعة أناجيل فقط لأربعة كاتبين ، فمعنى ذلك أننا لو طبقنا نفس المبدأ مع رشيد سيكون معجزات المسيح عليه السلام كلها ليس عليها إلا أربعة شهود فقط هم متى و يوحنا و مرقس و لوقا ، لكن العجيب أن رشيد طبق هذا المبدأ على إنشقاق القمر فقط ، لكنه عند الحديث عن معجزات المسيح فى آخر الحلقة قال :
[اخيراً نريد ان نرى كيف قام المسيح بمعجزاته ، معجزات المسيح دائماً كانت امام شهود من تلاميذه ومن الناس وقد سجلت لنا الاناجيل هذه الشهادة شئ اخر معجزات المسيح كانت في وضح النهار باستثناء البعض منها حدث ليلاً لكن كان هناك شهود على اي حال](الدقيقة:1:26:00)
فإن كنت يا رشيد تعتبر الذين حضروا هذه المعجزات شهوداً عليها حتى و إن لم يرووا هذه المعجزات بعد ذلك و رواها أربعة فقط ، فلماذا لم تفعل ذلك مع معجزة إنشقاق القمر و لم تفرق بين رواة المعجزة و بين شهود المعجزة كما فعلت مع معجزات المسيح عليه السلام؟
و سنبدأ بعرض الروايات التى أتى بها رشيد تتراً ثم نرد على الشبهات المثارة حولها:
1-رواية عبد الله بن عمر رضى الله عنهما :
وجه الإعتراض : ابن عمر رضى الله عنهما كان صغير السن وقت حدوث المعجزة فكان عمر ابن عمر رضى الله عنهما فى الخامسة أو السادسة من عمره.
الـــــــــــــــــــــــــــــــرد :
أولاً: كان من المفترض أن يأتى رشيد بشروط الحديث الصحيح عند علماء الحديث ثم يقوم بعرض هذه الأحاديث على شروط الحديث الصحيح و من خلال ذلك يبين إذا كانت الرواية صحيحة أم ضعيفة ، لكنه لم يفعل بل اخترع شروطاً خاصة به !!!
و نحن سنبين هل هذه الروايات صحيحة أم ضعيفة على شروط علماء الحديث
شروط الحديث الصحيح :
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
3- ضبط الرواة.
4- انتفاء الشذوذ.
5- انتفاء العلة.
قال ابن الصلاح :
" أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذى يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه و لا يكون شاذاً و لا معللاً "(18)
قال عمر بن محمد البيقوني فى المنظومة البيقونية :
أولها الصَّحيْح و هو ما اتَّصَل .......إسناده و لم يَشُذَّ أو يُعَلّ
يرويه عَدْل ضابط عَنْ مِثْلِه ........ مُعْتَمَد فى ضَبْطه و نقله (19)
فلابد أن يتصل السند بأن يسمع كل راوٍ عمن فوقه ، و أن يكون كل الرواة عدول ضابطون و لا يوجد فى الحديث شذوذ و لا علة.
و كل شرط من هذه الشروط يطول شرحه لكننا سنقتصر على الشروط التى يجب أن تتوفر فى رواة الحديث -فشبهات رشيد خاصة بالرواة - و هى : العدالة و الضبط.
أى يجب أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً ، و معنى العدالة : اجتناب الكبائر و الصغائر من الذنوب و اجتناب خوارم المروءة ، و تتحقق العدالة فى الراوي بشروط:
1- أن لا يكون كافراً .
2- أن يكون مكلفاً فلا يكون غير بالغ-صبى- و لا كافر و لا مجنون.
3- أن لا يكون متلبساً بفسق.
4- أن لا يكون متلبساً بخوارم المروءة.
5- أن لا يكون مغفلاً
قال ابن الصلاح :
"أجمع جماهير أئمة الحديث و الفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً،ضابطاً لما يرويه.و تفصيله أن يكون مسلماً بالغاً،عاقلاً، سالماً من أسباب الفسق و خوارم المروءة،متيقظاً غير مغفل ، حافظاً إن حدث من حفظه ، ضابطاً لكتابه..."(20)
و الضبط باختصار: الإتقان و الحفظ الجيد عند التحمل-أى سماع الحديث- و عند الأداء-أى رواية الحديث، كما جاء فى كلام ابن الصلاح.
فحتى نقول أن رواية ابن عمر رضى الله عنهما لا تقبل روايته يجب أن يكون غير عدل أو غير ضابط ، و ابن عمر رضى الله عنهما عدل ضابط تقبل روايته لكنه كان صبياً وقت حدوث المعجزة و حتى يكون الراوي عدلاً يجب أن لا يكون صبياً فكيف تُقْبَل روايته؟
الإجابة : العدالة تشترط عند الأداء – أى عند رواية الحديث- فقط و ليس عند سماع الحديث أو شهود القصة أو الواقعة التى يرويها ، فنعم يجب أن لا يكون الراوي صبياً لكن هذا يجب عندما يروى الحديث لمن بعده و ليس عند شهوده على معجزة انشقاق القمر أو سماع الحديث الذى يرويه ، و ابن عمر رضى الله عنهما شهد على القصة و هو صغير لكنه رواها و هو بالغ و هذا يجعل روايته صحيحة فالعدالة تشترط عند الأداء فقط – أى رواية الحديث لمن بعده.
قال ابن الصلاح :
" يصح التحمل قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام و روى بعده ، و كذلك رواية من سمع قبل البلوغ و روى بعده "(21)
فإذاً رواية ابن عمر رضى الله عنهما صحيحة بالرغم من كونه صغيراً وقت حدوث معجزة إنشقاق القمر ، فيصح سماع الصبي و شهود القصة التى يرويها
رواية عبد الله بن عباس و أنس رضى الله عنهما :
وجه الإعتراض : عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ولد قبل حدوث معجزة إنشقاق القمر و أنس بن مالك رضى الله عنهما لم يكن موجوداً وقتها بل صار خادم النبي صلى الله عليه و سلم لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و المعجزة حدثت فى مكة .
الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرد:
عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فعلاً ولد صغيراً ، لكن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ظل يطلب العلم و حرص على أن يتعلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ما فاته تعلمه من النبي صلى الله عليه و سلم ، فكان لا يسمع أن أحداً معه حديث إلا و سارع إليه و سأله عنه ، و يقول ابن عباس رضى الله عنهما :
"إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم"(22)
و قال رضى الله عنه أيضاً: " لما قبض رسول الله قلت لفتى من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله، فإنهم اليوم كثير. فقال: يا عجبا لك يا بن عباس!! أترى الناس يفتقرون إليك، وفيهم من أصحاب رسول الله من ترى؟؟ فترك ذلك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله. فان كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة، فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الريح عليّ من التراب، حتى ينتهي من مقيله، ويخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول لا، أنت أحق بأن أسعى إليك، فأسأله عن الحديث وأتعلم منه"(23)
فابن عباس رضى الله عنهما لم يشهد المعجزة لكنه نقلها عن صحابة آخرين ، و يصح أن يروى صحابي عن صحابي -و إن لم يذكر اسمه - فجميع الصحابة عدول ضابطون .
أما رواية أنس بن مالك رضى الله عنهما ، فهناك ثلاثة احتمالات :
1- أن يكون تلقاه عن باقى الصحابة رضى الله عنهم.
2- أن يكون أخذ ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم مباشرة.
3- أن يكون أخذ ذلك من الجميع.
و فى كل هذه الاحتمالات تصح الرواية ، فإنه يصح أن يروى صحابي عن صحابي آخر و كل الصحابة صادقون حافظون ، و إن كان تلقاه عن النبي صلى الله عليه و سلم تصح الرواية كذلك ، و إن كان أخذ الرواية عن الجميع فهذا يثبت أنه كان الكثير جداً يعرفون بوقوع هذه المعجزة للنبي صلى الله عليه و سلم .
فروايتي ابن عباس و أنس رضى الله عنهم صحيحتان
3 – رواية جبير بن مطعم رضى الله عنه:
وجه الإعتراض: يقول رشيد :
[اما جبير ابن مطعم هو لم يعتنق الاسلام إلا عام الفتح اي بعد احتلال محمد لمكة سنة 8 للهجرة وقيل قبل فتح مكة بقليل وهو لا يذكر لنا في روايته انه رأى المعجزة بل يرويها عن ابيه وابوه مطعم ابن عدي مات كافراً غير مسلم سنة 2 هجرية ، فإن كان ابوه يؤمن ان محمد عمل معجزة لماذا لم يسلم إذاً وإن كان ابوه قد رواها له لماذا لم يسلم هو الاخر لماذا انتظر حتى عام الفتح ، الخلاصة ان الجبير بن مطعم ايضاً لم يشاهد هذه المعجزة المزعومة ولم يكن لها اي دور في رواية اسلامه.]
الــــــــــــــــــــــــــــــــــرد:
أولاً : من أين أتى رشيد أن جبير بن مطعم رضى الله عنه يروى هذه المعجزة عن أبيه ؟!!
رواية جبير بن مطعم رضى الله عنه بسندها :
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سليمان بن كثير، عن حصين ابن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: انشق القمر على عهد رسول الله فصار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل.
إذاً محمد بن جبير بن مطعم هو الذى يروى عن أبيه الصحابي جبير بن مطعم رضى الله عنه
فالهاء فى ( أبيه ) تعود على الصحابي جبير بن مطعم رضى الله عنه ، و محمد هذا ابن الصحابي جبير بن مطعم رضى الله عنه ، و محمد يروى عن أبيه جبير بن مطعم رضى الله عنه و ليس جبير بن مطعم رضى الله عنه هو الذى يروى عن أبيه ، فالراوي الحديث الصحابي جبير بن مطعم رضى الله عنه نفسه و ليس أباه الكافر.
ثانياً: أما لماذا لم يسلم جبير بن مطعم رضى الله عنه ، فإن كل المشركين الذين رأوا المعجزة لم يؤمنوا بها لتكذيبهم بها و ادَّعوا أنها سحر ، و ذلك مذكور فى سورة القمر الآية (2-3) : (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ)
فهذا لا يثبت أنه لم ير المعجزة ، و إن كان تكذيب المشركين لهذه المعجزة و عدم إيمانهم دليل على أنها لم تقع فإن معجزات المسيح عليه السلام كذلك لم تقع فإن اليهود كذبوا بها:
يوحنا 12 : 37-41
وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ،
لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الَذي قَالَهُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟ وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ »لِهذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضًا: «قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ» .قَالَ إِشَعْيَاءُ هذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ.
لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الَذي قَالَهُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟ وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ »لِهذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضًا: «قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ» .قَالَ إِشَعْيَاءُ هذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ.
فإذاً لدينا الآن ستة روايات عن انشقاق القمر فيهما اثنان فقط هما : عبد الله ابن عباس و أنس بن مالك رضى الله عنهم هما فقط اللذان لم يشهدا المعجزة لكنهما نقلا المعجزة عن غيرهما من الصحابة و تصح روايتهما فى هذه الحالة أيضاً فيصح أن يروى الصحابة عن بعض فكل الصحابة عدول عدَّلهم الله فى كتابه.
ادّعاء وجود تناقض بين روايات انشقاق القمر
الدقيقة (22:15) إلى (26:15):
أولاً: سنفترض أن هناك اختلاف فعلاً فى تفاصيل هذه المعجزة ، و أن الروايات فيها اختلاف هل ذهبت فرقتي القمر على هذا الجبل أم على هذا الجبل ، فإن الحديث يكون فيه علة ، فالرواة اختلفوا أين ذهب شقي القمر ، لكن هذه العلة لا تقدح فى صحة الحديث ، فحتى تكون العلة سبباً لرد الحديث وعدم قبوله لابد أن تكون قادحة بمعنى أن تكون فى صلب الحديث ، أما لو كانت العلة أو الإختلاف فى شئ ثانوى، و ليس فى صلب الحديث بل فى تفاصيل أخرى ،فهنا يكون الحديث صحيحاً لأن العلة لا تقدح فى صلب الحديث ، و لكن التفاصيل التى اختلف فيها الرواة يكون فيها اختلاف و نقوم بالترجيح بينها أو نتوقف فيها ، لكن يظل موضوع الحديث الرئيسى صحيحاً و هو انشقاق القمر فى عهد النبي صلى الله عليه و سلم
قال عمر بن محمد البيقوني فى البيقونية :
وَمَاْ بِعِلَّة غُمُوضٍ أَوْ خَفَا .... مُعَلل عِنْدَهم قَدْ عُرفاْ (24)
قال ابن عثيمين رحمه الله فى شرحه على المنظومة:
[ إذاً فيشترط للحديث الصحيح شروط أخذنا منها ثلاثة وهي:
1 ـ اتصال السند.
2 ـ أن يكون سالماً من الشذوذ.
3 ـ أن يكون سالماً من العلة القادحة.
....... لذلك قلنا لابد من إضافة قيد وهو: أن تكون العلة قادحة، والعلة القادحة هي التي تكون في صميم موضوع الحديث، أما التي تكون خارجاً عن موضوعه فهذه لا تكون علة قادحة.
ولنضرب على ذلك مثلاً بحديث فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ في قصة القلادة الذهبية التي بيعت باثني عشر ديناراً، والدينار نقد ذهبي، ففُصلت فوجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً ، واختلف الرواة في مقدار الثمن ، فمنهم من قال: اثني عشر ديناراً ،ومنهم من قال: تسعة دنانير، ومنهم من قال: عشرة دنانير، ومنهم من قال غير ذلك، وهذه العلة ـ لا شك ـ أنها علة تهزُّ الحديث، لكنها علة غير قادحة في الحديث، وذلك لأن اختلافهم في الثمن لا يؤثر في صميم موضوع الحديث وهو: أن بيع الذهب بالذهب، إذا كان معه غيره، لا يجوز ولا يصح](25)
ثانياً: ليس هناك تناقض بين من يقول أن القمر انشق و هم فى مكة ، و بين من يقول أن القمر انشق و هم فى منى ، فقولهم ( انشق القمر و نحن فى مكة ) أى قبل الهجرة إلى المدينة ، و قد جاء ذلك فى بعض الروايات : ( قبل أن نصير إلى المدينة ) و من كان فى منى يقال له فى مكة لأن منى قريبة من مكة
جاء فى تاج العروس :
[ و منى-كإلى-: قرية فى مكة ](26)
فى المعجم الوجيز :
[ مِنَى : بلدَةٌ قرب مكَّة ينزلها الحجاجُ أَيامَ التشريق .](27)
فإذاً لا تعارض بين من يقول ( فى مكة ) و بين من يقول ( فى منى )
ثالثاً: سنعرض لكم الروايات التى جاءت فى انشقاق القمر من طريق ابن مسعود رضى الله عنها و نأتى بمعناها ثم ننظر هل هذه الروايات متناقضة فى المعنى أم متفقة
وصف انشقاق القمر فى الروايات عن ابن مسعود رضى الله عنهما:
فى رواية البخارى عن ابن مسعود : " و ذهبت فرقة نحو الجبل "
فى صحيح مسلم : " فستر الجبل فلقة ، و كانت فلقة نحو الجبل "
و ادّعى رشيد أن هذا هو معنى هاتان الروايتان و وصفهما :
فى مسند أحمد : " و ذهبت فرقة نحو الجبل "
و ادّعى رشيد أن هذا هو وصف هذه الرواية:
و رواية أخرى فى مسند أحمد : " حتى رأيت الجبل بين فرجتى القمر "
و يقول رشيد أن هذه الرواية تحتمل شكلين للقمر :
ثم قال رشيد أننا لو أخذنا بروايات الآخرين فالمشكلة تكون أكبر
و الرد على كل ذلك :
أولاً: رشيد ادعى فى صورته التى رسمها لأول ثلاثة روايات أن القمر انشق أفقياً ، و هذا تدليس على المشاهدين فهذه الروايات لا تقول أن القمر انشق أفقياً بل المراد بالآية انشقاق القمر رأسياً لأن هناك روايات أخرى تقول : " حتى رأيت الجبل بين فرجتى القمر " و هذا يدل أن معنى الروايات الأولى هو انشقاق القمر رأسياً لا أفقياً ، و الروايات الأولى التى ادعى رشيد أن القمر كما جاء فيها انشق أفقياً لا دليل فيها على ذلك و لا تخبر هل كان الإنشقاق رأسياً أم أفقياً لذلك فالاعتماد هنا على الرواية الأخرى التى تثبت أن القمر انشق رأسياً.
ثانياً:هذه الروايات كلها مع روايات الآخرين ليس بينها تعارض ، فالأوصاف الواردة فى الروايات:
1- حتى رأوا حراء بينهما.
2- فذهبت فرقة نحو الجبل .
3- حتى رأيت الجبل بين فرجتى القمر.
و هذه الأوصاف كلها مع اختلاف لفظها تدل على وصف واحد فقط هو:
قال ابن كثير فى البداية و النهاية :
" و القمر فى حال انشقاقه لم يزايل السماء بل انفرق بائنتين ، و سارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء ، و الأخرى من الناحية الأخرى، و صار الجبل بينهما "(28)
و هذا الذى قاله ابن كثير هو معنى كل الروايات التى جاءت فى وصف انشقاق القمر ، و أما ما فهمه رشيد من هذه الروايات و ظنه أنه مختلفة ، فسبب ذلك أنه ظنّ أن بعض الروايات تقول أن القمر انشق أفقياً لا رأسياً ، و قد بيّنا أن هذه خطأ و ليس معنى الرواية ، و كذلك ظنَّ أن معنى :"دون الجبل " أى تحت الجبل !!! كما فى آخر صورة له
و هذا غلط ، فإن معنى " دون الجبل " أى قرب الجبل ، فكلمة ( دون ) تعنى فى اللغة العربية القرب كذلك ، و منه قول المثقَّب العبدي من شعراء الجاهلية :
فلا تعدى مواعد كاذبات .... تمرُّ بها رياح الصيف دونى
إنشقاق القمر من الناحية التاريخية
لقد تحدث رشيد فى حلقته عن انشقاق القمر و التاريخ ، و هناك مفاجئة لرشيد و هو أن انشقاق القمر سجلته مخطوطات تاريخية منها مخطوطة هندية و منها مخطوطة فارسية، و هذه صورة لمقال فى موقع متخصص فى الدراسات الفلكية للحضارات القديمة يقول أن انشقاق القمر سجلته مخطوطة فارسية قديمة و أن نفس الحدث موجود فى مخطوطة مدريد صفحات (91-92-93):
تقول الفقرة الأولى فى هذا المقال الذى فى الصورة:
There is a Persian manuscript illumination which shows a similar white mountain (in the background) and a mountain covered with flowers and fruit (as veggies), and a weird gash in the earth behind a man who is looking at a split faced moon similar to those found in the Madrid Codex on the top register of pages 91-92 and 93. 1
التـــــرجـــــــمة :
هناك مخطوطة فارسية تظهر جبل أبيض مماثل (في الخلفيةِ) و غطّى جبل بزهور وفاكهةِ (كveggies)، و جرح بليغ غربة في الأرضِ وراء رجل الذي يَنْظرُ إلى إنشقاق وجه قمر وقد وجد هذا في مخطوطة مدريد في الصفحات 91-92-93
لكن الموقع متوقف الآن ، و قد أخذت صورة المقال من موضوع قديم لأحد الإخوة قبل توقف الموقع
صورة المخطوطة منفصلة دون المقال :
و أما المخطوطة الهندية التى سجلت انشقاق القمر فهى موجودة فى مكتبة لندن و قد تمت مراسلة مكتبة لندن التى تحتوى على هذه المخطوطة و أكدت ذلك ، و قد قامت الأخت ( ساجدة لله ) بمنتدى حرّاس العقيدة بمراسلة المكتبة و السؤال عن هذه المخطوطة ، فكان رد المكتبة عليها :
Dear:
I have located the manuscript you are interested in. The shelf mark is IO ISLAMIC 2807and the section you want is on pages 81 verso – 104 versos (inclusive). It is entitled “”Qissat Shakruti Firmad which, according to the catalogue (Loth 1044), is “A fabulous account of the first settlement of the Muhammadans in Malabar, under King Shakruti (Cranganore), a contemporary of Muhammad, who was converted to Islam by The miracle of the division of the the moon.” Should you wish to order a microfilm or paper copy see
For prices and method of ordering and payment. For further enquiries on photography you should contact
Quoting in all correspondence the shelf mark IO ISLAMIC 2807, pages 81 verso- 104 verso and your full postal address. Sincerely Colin Baker
Dr Colin F Baker
Head of Near and Middle Eastern Collections The British Library Asia, Pacific and Africa Collections 96 Euston Road London NW1 2DB
T +44 (0)20 7412 7645
F +44 (0)20 7412 7858
و هذه صور الرسائل التى تمت بينها و بين المكتبة للتوثيق و إثبات ذلك
الدقيقة ( 26:27) :
أما بالنسبة للدكتور.رأفت عمارى الذى يزعم وجود تشابه بين انشقاق القمر و الكتاب المندائى ، فهذا لم أعيره اهتماماً كبيراً فى هذا الرد لأن هذا الكلام أتفه من أن يرد عليه لعدة نقاط:
1 – النبي صلى الله عليه و سلم لم يقرأ الكتاب المندائي فهو صلى الله عليه و سلم كان أمياً لا يقرأ و لا يكتب فيستحيل أن يأخذ النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك الكتاب شيئاً.
2 – ملخص واقعة انشقاق القمر أن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه و سلم أن يريهم انشقاق القمر فأراهم انشقاق القمر فرقتين ، أما ما جاء فى الكتاب المندائي أن الأرض فى نهاية العالم انشقت و الكائن الذى شقها لم يستطع إيقاف ذلك الإنشقاق بالرغم من قوته ، فالإختلاف واضح بين القصتين فلا مجال للقول أن هذه القصة مأخوذة من ذلك.
3 – رأفت عمارى لا يستطيع حتى أن يثبت أن قصة انشقاق القمر مأخوذة من الكتاب المندائي بل الرجل قال : أظن ، و أعتقد .... و ليس لديه دليل مادى قطعى يفيد اليقين أن النبي صلى الله عليه و سلم اقتبس أو أخذ شيئاً من الكتاب المندائي أو غيره.
الدقيقة(31:00):
يدّعى الدكتور رأفت عمار أن ما قاله المسلمون أن ملكاً من ملوك الهند أسلم بعد انشقاق القمر ادّعاءٌ جاء فى كتاب كُتب فى القرن السابع عشر الميلادي ، و للرد عليه هذه مقابلة مع أمير هندى من سلالة الملك الذى أسلم بعد رؤية انشقاق القمر يؤكد أن ملكاً من ملوك الهند أسلم فعلاً بعد رؤية انشقاق القمر و هذا يكفى للرد على رأفت عمارى و إثبات صحة هذه الواقعة :
اقتباس من المقابلة التى فى الرابط:
[As is well known in Kerala, on a moon-lit night the king while walking on the rooftop of his palace along with the queen saw the moon suddenly splitting into two halves. Later he came to know through the Arab traders that that a prophet called Muhammad had wrought a miracle on that fateful night and sundered the moon before a crowd of dazed spectators. Impressed by this new messenger of God in Arabia, the king set out for the holy land after dividing his kingdom and assigning various territories to local chieftains to ensure smooth governance. In Arabia he met the Prophet and embraced Islam in the presence of Abu Bakr Siddique, who later became the first caliph]
الترجمة -ترجمة مختصرة- :
"كما هو معلوم جيداً فى كيرالا ، فى الليل كان الملك على سطح قصره مع الملكة ، و فجأة شاهد القمر انشق إلى قسمين ، و علم من المسافرين أن نبياً يدعى محمداً صنع معجزة فى تلك الليلة و شق القمر ...... و سافر إلى بلد العرب و قابل فيها النبي و دخل الإسلام و كان ذلك فى حضور أبى بكر الصديق الذى أصبح بعد ذلك أول خليفة للمسلمين "
و هذه معلومات عن هذا الملك و قصة إسلامه و سفره إلى النبي صلى الله عليه و سلم من موقع السياحة الهندية:
و كل هذا يكفى لإثبات انشقاق القمر من الناحية التاريخية و للرد على الشبهات التى أثارها رأفت عمارى حول انشقاق القمر من الناحية التاريخية فقد أتينا بمخطوطة هندية و أخرى فارسية سجلتا انشقاق القمر بالإضافة لمقابلة مع أمير من سلالة الملك الهندى الذى أسلم بسبب معجزة انشقاق القمر و أكد هذه القصة .
إنشقاق القمر من الناحية العلمية
الدقيقة ( 32:57) إلى (49:47) :
أولاً: رائد الفضاء من ناسا الذى أتى رشيد بفيديو له ينفى وقوع انشقاق القمر لا يثبت كلامه شيئاً ، فإن رشيد لو يعرف ما معنى " معجزة " و ما معنى " علم " لما فعل ذلك:
فإن تعريف المعجزة : هى أمر خارق للعادة يظهره الله على يد أنبياءه و يكون مقروناً بالتحدى.
أما تعريف العلم : فهو بناء منظم من الحقائق و المفاهيم و المبادئ و القوانين و طريقة منظمة فى البحث و التقصى.
فالعلم هو مبادئ و قوانين أما المعجزة فهى خرق للمبادئ و القوانين و ما اعتاد عليه الناس ، فمن غير المنطقى أن يستطيع العلم تفسير المعجزة .
فلا معنى لما فعله رشيد و إلا فلو أتى رشيد بعالم فى أكبر جامعات أمريكا و سأله عن معجزات المسيح سيخبره العالم أن هذه المعجزات لا دليل علمى عليه و لا أثر لها على الواقع ، و هذا طبيعى و لا ينفى معجزات المسيح عليه السلام فإن أفعال المسيح عليه السلام معجزات خرقت قوانين الطبيعة فلا يستطيع العلم أن يجد دليلاً مادياً عليها مثل كل ظواهر الكون التى تخضع لقوانين و مبادئ الطبيعة .
و هذا إذا افترضنا صحة كلام رائد الفضاء ذاك ، و أنا لن أتجه إلى الحديث عن إثبات انشقاق القمر من خلال موقع ناسا ، لأن القمر كما قلتُ انشق بمعجزة ثم عاد لطبيعته بعد انتهاء هذه المعجزة ، فليس من المفترض أن يفسّر العلم المعجزة كما سبق ، لكن إن ثبت وجود آثار لهذا الإنشقاق فعلاً على سطح القمر فلا مانع أن يكون الله تبارك و تعالى قد ترك لنا أثراً لذلك حتى يكون سبباً فى هداية أحدهم إلى الإسلام ، و على العموم فالشقوق على سطح القمر تعددت الآراء حولها من علماء ناسا و يستطيع من يدخل الموقع الخاص بوكالة ناسا أن يتأكد من ذلك ، فأكره أن آخذ برأى من هذه الآراء و هو لم يثبت حتى الآن ، و الأدلة التاريخية التى ذكرناها تكفى لإثبات وقوعه فى الماضي .
أما بخصوص مكالمة رشيد للسيد ديفيد موسى بيدكوك ، فهذه النقطة نعتذر عن عدم الرد عليها لعدم توفُّر حساب السيد ديفيد بيدكوك لدينا .
الـــــــــــرد على باقــــــــــى شـــــــــــبهــــــــــــــــــــــات الحلــــــقة
أولاً: شبهات وحيد :-
الدقيقة (10:54) إلى الدقيقة (11:24):
أولاً:جملة " أسلم تسلم " لم يقلها النبي صلى الله عليه و سلم لقريش بل كانت تُكتب فى رسائل النبي صلى الله عليه و سلم للملوك فى الدول المجاورة ، و نحن نعرض على سبيل المثال رسالة النبي صلى الله عليه و سلم إلى ملك مصر المقوقس :
"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله و رسوله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، و أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)." (29) فوحيد لا يعرف شيئاً عن السيرة !!
و معنى " أسلم تسلم " تشمل معنيان : السلامة فى الآخرة فإن الكفار يدخلون النار يوم القيامة ، و يشمل كذلك السلامة فى الدنيا من الحرب و غيرها و هذا لو كان محارباً للإسلام و للمسلمين أما لو لم يحارب المسلمين فلا حرب معه ، فالجهاد فى الإسلام و القتال يكون ضد المحارب فقط لا غير :
قال ابن عثيمين رحمه الله :
[الحق العاشر: حق غير المسلمين
غير المسلمين يشمل جميع الكافرين و هم أصناف أربعة:حربيون ، و مستأمنون-بكسر الميم-،و معاهدون ، و ذميون.
فأما الحربيون فليس لهم علينا حق من حماية أو رعاية ، و أما المستأمنون فلهم علينا حق الحماية في الوقت و المكان المحددين لتأمينهم ، لقول الله تعالى : ( و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) التوبة:6 الآية.
و أما المعاهدون فلهم علينا الوفاء بعهدهم إلى المدة التى جرى الاتفاق عليها بيننا و بينهم ، ما داموا مستقيمين لنا على العهد ، لم ينقصونا شيئاً ، و لم يعينوا أحداً علينا...و أما الذميون فهم أكثر هؤلاء الأصناف حقوقاً فيما لهم و عليهم ، ذلك لأنهم يعيشون فى بلاد المسلمين و تحت حمايتهم و رعايتهم بالجزية التى يبذلونها ...](30)
فالمعاهد و المستأمن و الذمي من غير المسلمين لا يحاربون بل الحرب على من يحارب فقط
و قال الشيخ صالح آل الشيخ :
[دلَّ على أن الكافر مباح المال ، و مباح الدم ، و أن ماله – وهو الحربي- أن ماله مباح ..... بخلاف المعاهد و المتسأمن ، أو من خانك ، فإنه لا يجوز أن تعتدى على شئ من أموالهم ، حتى ولو كان غير مسلم ، إلا إذا كان حربياً.](31)
ثانياً: النبي صلى الله عليه و سلم لم يرفع سيفاً على أحد ليدخل فى الإسلام ، بل الإسلام يأمر بوضوح بعدم إكراه أحد على الدخول فيه ، قال الله عز و جل : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ( البقرة : 256)
و قال الله عز و جل : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(يونس:99)
بل النبي صلى الله عليه و سلم ظل فى مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى عبادة الله و ترك الفواحش و حسن الجوار و صلة الرحم و أداء الأمانة و صدق الحديث و غيرها من الفضائل و المكارم بالحكمة الموعظة الحسنة ، فعذبت قريش النبي صلى الله عليه و سلم و الذين آمنوا معه بأشد أنواع التعذيب و التنكيل حتى يتركوا الإسلام ، فقريش هى التى رفعت السيف على المسلمين ليتركوا دين الإسلام و ليس العكس :
قال الشيخ صفي الرحمن المباركفورى :
[ الإضطهادات : أعمل المشركون الأساليب التى ذكرناها شيئاً فشيئاً لإحباط الدعوة بعد ظهورها فى بداية السنة الرابعة من النبوة ، و مضت على ذلك أسابيع و شهور وهم مقتصرون على هذه الأساليب لا يتجاوزونها إلى طريق الإضطهاد و التعذيب ، و لكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعاً فى إحباط الدعوة الإسلامية استشاروا فيما بينهم ، فقرروا القيام بتعذيب المسلمين و فتنتهم عن دينهم ، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام ، و انقض كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان....... و كان عم عثمان بن عفان يلفه فى حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته ، و لما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه منعته الطعام و الشراب ، و أخرجته من بيته ، و كان من أنعم الناس عيشاً ، فتخشف جلده تخشف الحية ، و كان صهيب بن سنان الرومي يعذب حتى يفقد وعيه و لا يدرى ما يقول ، و كان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي ، فكان أمية يضع فى عنقه حبلاً ، ثم يسلمه إلى الصبيان ، يطوفون به فى جبال مكة ، و يجرونه حتى كان الحبل يؤثر فى عنه ، و هو يقول : أحد أحد، و كان أمية يشده شداً ثم يضربه بالعصا ، و يلجئه إلى الجلوس فى حر الشمس ، كما كان يكرهه على الجوع ، و أشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة ، فيطرحه على ظهره فى الرمضاء فى بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ...](32) ، و هذه مجرد نبذ بسيطة و شئ قليل مما كان المشركون يفعلوه بالمسلمين فمن ذلك حصار المشركين للمسلمين فى شعب-طريق بين الجبال-و منع الطعام و الشراب عنهم و منع الزواج منهم حتى كاد المسلمون يموتون من الجوع ، و للمزيد من تعذيب المشركين للمسلمين انظر المصدر فى الحاشية.
ونقرأ من سيرة ابن هشام:
[قال ابن إسحاق :ثم إن قريشاً تذامروا بينهم على من فى القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين أسلموا معه ، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم و يفتنونهم عن دينهم...](33)
فلما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة أمر الله عز و جل المسلمين بالجهاد دفاعاً عن أنفسهم و مواجهة من يقف و يحارب الإسلام و المسلمين و ليس لإكراه الناس على الدخول فى الإسلام ، كما بينا أنه لا يُجْبَر الإنسان على الدخول فى الإسلام.
ثانياً: شبهات رشيد :-
الدقيقة (12:43) إلى الدقيقة (13:27):
أولاً: قد بيَّنا أن المسألة ليس فيها خلاف كبير بين السلف و ليس خلافاً سائغاً كما يحاول رشيد أن يوهمنا ، بل ذهب عدد قليل جداً أنها لم تحدث و رد عليهم العلماء و بيَّنوا أن هذا غير صحيح بل هى وقعت و أتوا بالروايات الدَّالة على ذلك فى تفاسيرهم، حتى إن بعض أهل العلم نقل الإجماع على وقوع انشقاق القمر فى عهد النبى صلى الله عليه و سلم.
ثانياً: آيات سورة القمر ليست قابلة للتفسير على أكثر من وجه ، بل هناك ضوابط و قواعد نسير عليها فى التفسير ، و هى أن مصادر التفسير :
1- تفسير القرآن بالقرآن.
2- تفسير القرآن بالسنة.
3- تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
4- تفسير القرآن بأقوال التابعين.
5- اللغة العربية.
قال ابن تيمية فى مقدمة فى أصول التفسير:
[أصح الطرق فى ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل فى مكان فإنه فسر فى موضع آخر ، و ما اختصر من مكان فقد بسيط فى موضع آخر ، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة ، فإنها شارحة للقرآن و موضحة له ....... و حينئذ إذا لم نجد التفسير فى القرآن و لا فى السنة رجعنا فى ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك ...... إذا لم تجد التفسير فى القرآن و لا فى السنة ، و لا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة فى ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر...](34)
و بالتالي فإننا بالرجوع إلى تفسير القرآن بالقرآن نجد الله عز و جل يقول فى الآية 2 من سورة القمر: "و إن يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر"
فهذا يدل أن انشقاق القمر وقع فى الدنيا و أنهم رأوه و أنكروه فى الدنيا.
و كذلك بالرجوع إلى تفسير القرآن بالسنة ، نجد أن الأخبار المروية فى انشقاق القمر فى عهد النبى صلى الله عليه و سلم كثيرة – كما سيأتى معنا- و هذا يثبت أن المراد بالآية هو انشقاق القمر فى عهد النبى صلى الله عليه و سلم،فالنص غير قابل للتفسير على أكثر من وجه كما ادعيت يا رشيد بل الآية الأولى تدل بوضوح على أن القمر انشق فى عهد النبى صلى الله عليه و سلم كما بيَّنا.
و أما لماذا لم يسهب القرآن فى ذكر معجزة إنشقاق القمر بينما أسهب فى ذكر معجزات موسى عليه السلام و غيره ، فهذا لأنها ليست معجزة النبى صلى الله عليه و سلم الأساسية التى تحدى بها العرب ، بل معجزة النبى صلى الله عليه و سلم الأساسية هى القرآن الكريم ، و قد أسهب الله فى الحديث عن القرآن فى أكثر من موضع ، و تحدى الله العرب أن يأتوا بمثله فى أكثر من آية ، قال الله عز و جل : قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (الإسراء:88)
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ( البقرة: 23 - 24)
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ* أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ( يونس 37-39)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فتح القدير للشوكانى ، ط: دار المعرفة ، ص:829
(2) مختصر سيرة الرسول لمحمد بن عبد الوهاب، ط : دار التقوى ، ص :70-71
و النقاط المتتابعة (....) تعنى أن هناك كلاماً حذفته للإختصار.
(3) تفسير ابن كثير ، ط:دار طيبة ،ج:5 ،ص:89-90
(4) تفسير ابن كثير،ط:دار طيبة، ج:4،ص:434
(5) تفسير القرطبي ، ط:مؤسسة الرسالة ،ج:20 ، ص:77
(6) فتح القدير، ط:دار المعرفة ، ص :1462
(7) تفسير القرطبي ، ط:مؤسسة الرسالة ، ج:20 ، ص:71
(8) تفسير ابن كثير ،ط:دار طيبة ،ص:470-471
(9) فتح البارى بشرح صحيح البخارى،ط:دار المعرفة ، ج:7 ، ص:186
(10) تفسير ابن كثير، ط:دار طيبة ، ص:472
(11) فتح القدير، ط:دار المعرفة ، ص:1426
(12) تفسير القرطبي ، ط:مؤسسة الرسالة ،ج:20، ص:73
(13) المزهر فى علوم اللغة للسيوطى، ج:2 ، ص348
(14) طبقات فحول الشعراء، ج:1 ،ص 48
(15) البداية و النهاية لابن كثير ط: بيت الأفكار، ج:1 ، ص:899-900 ، و قد حذفت كلاماً لابن كثير رحمه الله للاختصار و هو الروايات التى أتى بها بعد ذكر اسم كل راوٍ و وضعت مكانها نقاطاً (....)
(16) معرفة علوم الحديث ( مقدمة ابن الصلاح ) ط:المطبعة العلمية لمحمد راغب الطباخ ص:8
(17) رواه البخارى حديث رقم (1)
(18) مقدمة ابن الصلاح ،ط: المطبعة العلمية لمحمد راغب ، ص:8
(19) المنظومة البيقونية البيتين :3-4
(20) مقدمة ابن الصلاح ،ط:نفس الطبعة ، ص:114
(21) مقدمة ابن الصلاح، ط:نفس الطبعة ، ص:137
(22) سير أعلام النبلاء، ج:1 ،ص:344
(23) إتحاف الخيرة المهرة، ج:1 ،ص:212
(24) المنظومة البيقونية البيت :24
(25) شرح البيقونية للشيخ ابن عثيمين ، و لم أعثر عليه مطبوعاً و لكن ستجدونه على موقع خيرية ابن عثيمين ككتاب إلكترونى أو مطالعة المتن دون تنزيله ، و لذلك فقد اعترض بعض العلماء على ابن الصلاح عند تعريفه للصحيح و قوله ( و لا معللاً ) أنه لم يذكر أن العلة يجب أن تكون قادحة.
(26) تاج العروس، ط:دار الهداية، ص:20972
(27) المعجم الوجيز ،ط:الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية-طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم- ، ص:592 ، باب: الميم
(28) البداية و النهاية لابن كثير ، ط:بيت الأفكار الدولية ،ج:1 ، ص:900
(29) الرحيق المختوم، ط:دار الوفاء، ص:306
(30) حقوق دعت إليها الفطرة و قررتها الشريعة لابن عثيمين ،ط:مؤسسة ابن عثيمين الخيرية،ص:43-44
(31) شرح الأربعين النووية، ط:مكتبة الصفا، ص:113
(32) الرحيق المختوم، ط:دار الوفاء ،ص:90
(33) سيرة ابن هشام ،ط:دار الكتاب العربي ، ج:1 ، ص:301
(34) مقدمة فى أصول التفسير لشيخ الإسلام بن تيمية، ط:مكتبة سلسبيل بالزيتون ،ص:30-36 و هناك كلام لشيخ الإسلام حذفته للإختصار و وضعت مكانه (....).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفأشكرك أخى وأتمنى التواصل للأهمية facebook.com/lovelyquraan